عندما تقرّر مطلع مارس الماضي بدْء عقد جلسات للحوار اللبناني للبتّ في القضايا الخلافية ، و تحديد مسار و مصير البلاد بقيادتها الجديدة بعد خروج الجيش السوري من لبنان, قلنا وقتها: إنّه إذا كان الهدف من الحوار هو حرص كل طرف على ألاّ يظهر بمظهر الخارج عن الإجماع الوطني فقط فإنّ الحوار سيخفق إخفاقاً ذريعاً، و سيؤدي ذلك إلى تداعيات لا تُحمد عقباها. منذ ذلك التاريخ و حتى اليوم عُقدت عدّة جلسات حوارية لم يتم خلالها الاتفاق على معالجة أي موضوع حقيقي ، باستثناء موضوع سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات خلال ستّة أشهر، على أساس أنّه الموضوع الأسهل و الأبسط، و لا خلاف جوهرياً حوله في الأساس, واتفق المتحاورون على تحسين العلاقات مع دمشق عبر إقامة علاقات دبلوماسية ، وترسيم الحدود لإقناع الأممالمتحدة بلبنانية مزارع شبعا المتنازع عليها في جنوب لبنان . كما توصّلوا إلى الاتفاق على محكمة ذات طابع دولي في اغتيال الحريري، وعلى توسيع مهمة لجنة التحقيق الدولية لتشمل الاعتداءات التي تلت اغتيال رئيس الوزراء الأسبق. أمّا الملفّات الحقيقية التي يتمحور حولها الخلاف العميق، و المتمثّلة بموقع رئيس الجمهورية اللبناني, وسلاح حزب الله , وطبيعة العلاقة مع سوريا, وكيفية استعادة مزارع شبعا, فلم يتم التوصل إلى حل بشأنها، و ما زلنا ندور في دوّامة، و كأننا في حوار طرشان. ففي موضوع الرئاسة, تشير كافّة استطلاعات الرأي التي أُجريت مؤخراً إلى أنّ العماد عون يحظى بتأييد من أغلبية مسيحية و بشريحة هامة من المسلمين. و يرى عون أنّه الأحق بالرئاسة، و أنّ الانتخابات النيابية التي حصلت مؤخراً قبل عام، و التي تمّ استغلال قضية اغتيال الحريري للفوز بها، لم تنصفه على الإطلاق، على الرغم من أنّه وافق عليها مع وجود مخالفات و ثغرات كبيرة بها. و عليه فإنّّه غير مستعد للتفريط أيضاً هذه المرّة بموقع الرئاسة، على أساس أنّه لا يوجد منافس حقيقي له لهذا المنصب، و أنّ الذين تم ترشيحهم لنفس المنصب من قبل تيار الحكومة لا يتمتعون بأي تأييد، و أكثر من ذلك فهم سيكونون مجرّد أداة بيد الحكومة و البرلمان. أمّا في موضوع مزارع شبعا و نزع سلاح حزب الله , فحصل اختلاف على الموضوع الأول بين كلمة تحديد و كلمة ترسيم الحدود، بين طرحين الأول يقول بأنّ ترسيم الحدود مع سوريا يجب أن يتم بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من مزارع شبعا، و آخر يقول بضرورة ترسيم الحدود أولا . أمّا فيما يتعلّق بسلاح حزب الله , فإنّ جلسات الحوار لم تصل إلى مناقشة هذا الموضوع بعد، و إن كان هناك إصرار لدى الحزب على عدم تسليم سلاحه طالما أنّ لبنان غير قادر على مواجهة أي عدوان إسرائيلي. في ملف العلاقة مع سوريا, هناك إجماع على ضرورة بناء علاقات سليمة، و من موقع النديّة مع سوريا, لكنّ البعض داخل الحكومة يحبّ -على ما يبدو- أن تبقى التوترات قائمة مع سوريا للاستفادة من هذا المناخ في تدعيم موقفه، ولاستغلال الدعم الغربي ، و للتهرب من القضايا الداخلية المصيرية التي ترتبط بحياة الناس اليومية. الحوار و على الرغم من أنّه قد أخفق معنوياً إخفاقاً ذريعاً, فإنّ الإخفاق العملي يعود إلى دخول المتخاصمين في الحوار بمواقف مسبقة حول القضايا الأساسية العالقة, بدلاً من الانطلاق من نقطة الاختلاف لمعالجتها. فهم اتفقوا على ما لم يكونوا مختلفين حوله في الجوهر، فأعلنوا الاتفاق عليه، كما قال رئيس الوزراء السابق سليم الحص؟ الأسوأ من ذلك أنّ القيادات اللبنانية لا تعي خطورة الوضع الحالي الذي يمر به لبنان, ذلك أنّّهم معتادون على أنه -و في وقت الأزمات- تقوم كل فئة من اللبنانيين باللجوء إلى زعيمها فتتقوقع و تتمترس بطائفتها. لكّن هذا السيناريو قد لا يحصل هذه المرّة، و قد يتم ما هو أسوأ منه. ففي الوقت الذي تنشغل فيه القيادات اللبنانية بالمحاصصة ، و طرح الصفقات و السجال البعيد عن الواقع، و الذي لا يركّز على المصالح المشتركة و نقاط الالتقاء, يعيش لبنان حالة شلل ملحوظة على كافة الجبهات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية ، ويبدو الشارع اللبناني على أهبة الاستعداد للانفجار الكبير, نتيجة إهمال القيادات اللبنانية لأحواله الاجتماعية البائسة. فالأخبار تتناقل إمكانية زيادة الضريبة على القيمة المضافة, و تحرير أسعار الرغيف, و ارتفاع أسعار المحروقات, و هناك مشاريع لإلغاء الضمان الاجتماعي، مع تراكم كبير و ضخم للديون اللبنانية، و عجز على إيقاف هدر المال العام الذي ارتقى إلى مرتبة السرقة المنظّمة مع انتشار الفساد، و عدم وجود رؤية واضحة لدى أركان الحكم الحالي للخروج من الأزمة، مع العلم أنّهم قد استلموا دفّة الحكم منذ أكثر من عام، و بأغلبية ساحقة قلّما حصل مثلها, و كانوا مسؤولين مباشرة عن الوضع الاقتصادي اللبناني خلال الفترات السابقة. هناك شعور سائد أنّ الحكومة تتهرّب من تحمّل مسؤولية الوضع السيّئ، و عدم اعترافها بقدرتها على مواجهة المشاكل بحلول عملية واقعية، و ذلك بإلقاء اللوم على هذه الجهة أو تلك, أو الانشغال بهذا الموضوع أو ذاك ، بعيداً عمّا يشغل الناس حقيقة، و يمسّ حياتهم اليومية . المصدر : الإسلام اليوم