يذكر المؤرخون أنه في أيام حصار المغول لبغداد ، جاء رسول الخليفة العباسي إلى بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، يطلب منه تزويده بآلات عزف ومغنيات ، وفي الوقت نفسه وصله رسول هولاكو ، يطلب منه تزويده بآلات دك الأسوار وحصار المدن ، فقال لمن كان حاضراً مجلسه : انظروا إلى الطلبين و ابكوا على الإسلام وأهله. ولا داعي لسرد تفاصيل ما حصل بعد ذلك؛ لان الجميع يعرف نتيجة ما حصل من احتلال المغول لبغداد، وما فعلوه فيها من قتل وتدمير وحرق للكتب وهدم لدور العلم والعبادة. والناظر إلى بلداننا اليوم يجد أنها ليست بأحسن حال مما كانت عليه الدولة الإسلامية أيام الخليفة المستعصم بالله، فقد انشغل بالطرب واللهو وجمع الأموال والذهب وهكذا كان حال حاشيته، إضافة إلى ظلم الرعية وعدم الاكتراث بمشاكل الناس، والاستيلاء على الاموال والممتلكات من قبل كبار رجال الدولة وضمها إلى ممتلكاتهم الخاصة. وهذا بل ربما أكثر منه يحدث بين أظهرنا اليوم، فالحاكم وحاشيته يستولون على خيرات البلد، وليس للشعب الا القبول بهذا الحال، وليس له من ردة فعل مسموح بها إلا السكوت ، والسكوت فقط و إلا كان نصيبه ما لا يحمد عقباه. ومع تزاحم الخطوب على أمتنا العربية والإسلامية، وازدياد المآسي يوما بعد يوم؛ الا اننا لم نر بوادر تحرك لانتشال الأمة من الواقع المرير الذي تعيشه، رغم اقتراب الأخطار التي تهدد وجودها أكثر فأكثر ، وما أعددنا لمجابه تلك الإخطار إلا مزيداً من آلات اللهو والطرب والإكثار من مظاهر الدعة والراحة ..فكل يوم نفقد جزءً من أرضنا، وبدلا من محاول استعادته نفاجأ بجزء آخر يلتحق به ، حتى أصبح الجميع يخشى أن يكون الدور القادم عليه. ولست أقصد من خلال ذلك تثبيط همم الناس وإظهار العجز أو اليأس في نفوسهم لا سامح الله ؛ ابداً..فقد تمر الأمة بأسوأ من ذلك لكنها تعاود النهوض من جديد إذا كان لديها روح العزيمة والإصرار فمن الخطأ أن نركز على الصفحات المظلمة في تاريخنا ونترك الصفحات الناصعة ، فنكثر من الكلام عن سقوط بغداد وتدميرها أيام المغول وتنتهي القصة عند ذلك الحدث ، وننسى أن ذلك الجيش العرمرم الذي غزا البلاد وأهلك العباد قد كُسرت شوكته بعد سنتين فقط من احتلال بغداد وذلك على يد المظفر قطز وهو من المماليك ولم يكن من السادة الإشراف ولا من العوائل المرموقة لكنه كان يحمل قلبا عامراً بالإيمان وحباً للإسلام، وقد نال نصيبه الوافر من التدريب على الفروسية وفنون القتال والخطط الحربية والتمرس على المعارك حتى أصبح ذا خبرة ودراية بتفاصيلها ما أكسبه خبرة يحسب لها ألف حساب. ولا تزال الأيام تخفي لنا الكثير من تلك الأمثلة ، بل إنها سنة الله تعالى في النصر والتمكين، فلم يجلب أبناء الأسر المرفهة لشعوبهم إلا مزيدا من الترف والدعة والجبن والخنوع ، ولا يعلم الفرد شيئا عن واجباته تجاه دينه وأمته، ولا يدري عن الأخطار المحدقة به، وإذا ما واجه شيء من تلك الأخطار فسرعان ما ينهزم أمامها لأنه لم يتربى على أساليب الدفاع عن النفس والمواجهة ، بل تعود أن يستأجر من يدافع عنه ويخدمه ويحمل له أمتعته. مثل هؤلاء لا ينتظر منهم نصر ولا تعقد بهم الآمال. في المقابل تجد رجلا خرج من الأحياء الفقيرة ، وكان يبيع الحاجيات البسيطة على أرصفة الطرقات أيام البرد القارص، لم يمنعه تساقط الثلج من جلوسه كل يوم لكسب قوته وتوفير لقمة عيش له ولعائلته؛ لكنه مع ذلك لم يترك مدرسته وواصل مشواره بكل عزم وإصرار، يحمل همه وفكره والأمل يحدوه ، إلى أن وصل أعلى المناصب ، لم يغريه منصبه كرئيس للوزراء ، ولم يبعده عن الناس الذين تربى بينهم، بل كرس جهوده لخدمتهم وتوفير متطلباتهم التي حرمهم منها من وعدوهم بالتحرر والديمقراطية. ومع التزامات المنصب الجديد إلا أنه لم ينس شيخه الذي تربى على يديه وحفظ القران عنده، فلا يزال يقضي كل ليله سبت في ذلك المسجد الصغير الذي تخرج منه في منطقة الفاتح في اسطنبول، يتذاكر معه شيخه ، ويتزود طاقة ربانية، ويقضي الليل بالبكاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى . إنه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي أثبتت سياساته الاقتصادية نجاحاتها على أرض الواقع ، وكان لقوة مواقفه السياسية بالغ الأثر في المحافل الدولية ما أدى إلى أن تحسب له الدول ألف حساب . نموذج أردوغان يعطينا الأمل بان الله لا يضيع دينه، فلا مجال لليأس ولا عذر لمن تخاذل وخرج عن جادة الصواب ، فليس هذا الدين للعرب وحدهم . {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) محمد : 38 كاتب وإعلامي عراقي