يستطيع المتشبع بروح الشريعة العالم بمقاصدها ان يدرك دون جهد ان الإسلام دين جمعي يحث علي الاجتماع والجماعة ويكره العزلة والانفراد..فالإسلام يجمع الناس للصلاة خمس مرات في اليوم .. ومرة يوم الجمعة .. ويجمعهم في العيدين وفي صلاة الكسوف وفي صلاة الاستسقاء ويجمعهم في محفل عالمي في الحج وغيرها .. ثم هو يوجب كل ما من شأنه أن ينمي روح الجماعة بين المسلمين من معاملات وأخلاق فيوجب التكافل بالزكاة والصدقة ويحث علي الحب في الله والإيثار والأمانة حتي إماطة الأذى عن الطريق والتبسم في وجه الإخوان وغيرها. وهو أيضا ينهي عن كل ما يمزق أواصر الحب في المجتمع المسلم من أخلاق ومعاملات فينهي عن الكبر والسخرية و الغيبة و النميمة و التجسس ويحرم الغرر والغبن وغيرها. ولأن كثيرا من الفرائض لا تقوم بالأفراد و إنما بالجمع والجماعة كالجهاد و الحسبة و الدعوة كان طبيعيا أن يتكرر الأمر بالاجتماع والجماعة والنهي عن الفرقة والاختلاف في القران و السنة وان تتناثر مفردات العمل الجماعي فيهما من إمارة وطاعة وأمير وغيرها حتي أن الشريعة لتوجب القيادة في السفر العارض لثلاثة نفر حرصا علي وحدة الكلمة وعدم التفرق. ولان مسعى الاجتماع هو السعي لأداء فرائض الدين في النفس والأهل والمجتمع فان الولاء والانتماء الأساسي لكل مسلم ينبغي ألا يكون إلا لله ورسوله وما عدا ذلك من ولاءات أو انتماءات إنما هي تبع لذلك .. والحب والقرب ينبغي أن يكون في الله وأي حب آخر إنما هو تبع له .. فالحب لعامة المسلمين يزداد ويتوثق بقدر ما نراه من التزام بالدين والقرب منه. رغم أن هذه القواعد يعرفها الجميع ويرددونها في كل حين .. الا أن كثيرا من أبناء الحركة الإسلامية يعانون خللا في توقيع هذا الكلام علي الواقع .. فالخلل كل الخلل أن يطغي الانتماء للجماعة او للجمعية او للحزب او لاي تجمع علي الانتماء العام للاسلام والمسلمين وان يكون الحب والبغض محركه هذا الانتماء الضيق لا الانتماء العام للدين واهل الدين. وهذا المرض الخطير اشاع روح التعصب بين ابناء الجماعات الاسلامية بصورة مرضية تحتاج بالفعل الي وقفة لعلاجها فالجمعيات و الجماعات والاحزاب والجمع بصفة عامة انما شرع كوسيلة للتضافر علي اقامة الدين و فرائضه و اوامره في النفس و الاهل و المجتمع .. ولكنها – للأسف – تحولت الي غاية و هدف في ذاتها كثيرا ما طغت علي الهدف من انشاء هذه الوسيلة .. فالحب لم يعد حبا في الله ولكن في الجماعة .. والصواب هو ماتقول به الجماعة و الاعمال الصالحة هي ما تؤديه الجماعة وكل من عداهم وما عداهم لا بد انهم علي غير الجادة و الصواب بل واشد واسوأ من ذلك. وهكذا تصارعت الجماعات والجمعيات علي سفاسف الامور .. و تنا زعت في الامور المختلف عليها منذ قرون في فروع فروع الدين .. وقامت بينهم المعارك التي وصلت الي حد الضرب عليها .. وصار الانتماء للجماعة هو الانتماء للدين و صار اسم الجماعة ورسمها هو الدين فتكون المعارك علي الاسم وعلي الشعار ونضحي بأمور من الدين نفسه في سبيلهما ونقع في كبائر الذنوب من اجلهما من غيبة ونميمة وشقاق من اجل مسميات وشعارات لاطائل من ورائها .. بل قد يكون ضررها اكبر من نفعها ... وهكذا بدلا من تكمل تلك التجمعات بعضها وتنسق فيما بينها لتنتج في مجتمعها مايرفع من بنيانه ويزيد من قوته وحيويته في ظل تفعيل دور الدين في الارتقاء والمضي قدما للامام صارت جهود تلك التجمعات تتقاطع وتستهلك في محاربة بعضنا بعضا .. وافتقدنا الحب في الله الذي هو قوام بناء المجتمع المسلم والتعاون علي البر والتقوي الذي يجمع الجهود في سبيل الله. ينبغي ان يكون واضحا ان الهدف من وجودنا واعمالنا هو عبادة الله واقامة دينه.. وان لذلك وسائل كثيرة ينبغي ان تتميز بوضوح عن الغاية والهدف .. وان التشكيلات والاسماء والشعارات ما هي الا مجرد صورة من صور التنظيم لتحقيق الهدف من خلالها .. وليس لها دلالة اخري من صواب الاعمال او عدمه وانما الصواب و الخطأ في العمل نفسه .. فمن عمل مايوافق السنة فهو المصيب ومن لا فلا وليس للانتماء اثر في ذلك. وينبغي ايضا ان ندرك جميعا ان علاقة الحب في الله انما تشمل المسلمين جميعا وليس للانتماء اثر فيها. بدون ذلك فان مثل هذه التجمعات يكون ضررها اكثر من نفعها وزوالها افضل من وجودها.