من الآفات التي ابتلينا بها في الفترة الأخيرة قراءة الأحكام القضائية من منظور المصلحة السياسية دون التمعن في تلك الأحكام وما انطوت عليه من مبادئ ورغم وضوح الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 2/6/2013م بشأن مجلس الشورى والجمعية التأسيسية وما يبن من قراءتهما من إجلال وتوقير للإرادة الشعبية التي وضعت الدستور على نحو ما قالت به المحكمة صراحة من أنه (سواء كان الدستور قد بلغ الآمال المعقودة عليه في مجال العلاقة بين الدولة ومواطنيها أم كان قد أغفل بعض جوانبها أو تجنبها فإن الدستور يظل دائمًا فوق كل هامة معتليًا القمة من مدراج التنظيم القانوني) وما أقره ذلك الحكم الصادر في دعوى مجلس الشورى فى الدعوى رقم 112 لسنة 34 ق دستورية من قيام ذلك المجلس بسلطة التشريع كاملة ومع ذلك يشكك البعض في ذلك الأمر رغم وضوحه بل إنه خلص أيضًا إلى أن قرار رئيس الجمهورية بالدعوة للاستفتاء والانتخاب يعتبر من أعمال السيادة وهو ما لم يعرض له أحد كما أن الحكم الصادر بشأن الدعوى التأسيسية في الدعوى رقم 116 لسنة 34 ق دستورية قد أقر عدم الرقابة على أعمال الجمعية التأسيسية بحسبانها لا تخضع إلا لرقابة الشعب باعتباره مصدر السلطات جميعًا وهو ما يؤكد خطأ حل الجمعية التأسيسية الأولى وهذا الحكم الأخير قطع في مسألة خلافية هامة هيمنت على الساحة أخيرًا، إلا أنه لم يتم تناولها إعلاميًا بسبب الاستقطاب السياسي وأرى أن هذا الذي تطرق إليه الحكم يكون قد حسم مسألة شرعية تعيين النائب العام الحالي، حيث قال ذلك الحكم في أسبابه وهو يستعرض نص المادة 236 من الدستور لتفسير الإعلانات الدستورية التي صدرت قبل وضع الدستور الأخير ويفسر نص المادة236 إذ جاء به بعد أن قرر نص هذه المادة والتي يجري نصها على النحو الآتي (تلغي جميع الإعلانات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية منذ الحادي عشر من فبراير سنة 2011م وحتي تاريخ العمل بالدستور ويبقى نافذًا ما ترتب عليها من آثار في الفترة السابقة) إذ قال صراحة (وأيًا ما كان الرأي في مشروعية الإعلانات الدستورية الصادرة من رئيس الجمهورية فإن صريح نص المادة 236 من الدستور قد أبقى على الآثار التي ترتبت على هذه الإعلانات في الفترة السابقة أما الآثار التي لم تترتب بعد فإنها تكون بمنأى عن إعمال هذا النص وترتيبًا على ذلك فإنه إذا كان الإعلان الدستوري الصادر عن رئيس الجمهورية في 21 نوفمبر 2012م قد قرر انقضاء الدعاوى المتعلقة بالقوانين والقرارات التي أصدرها رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة والمنظورة أمام أي جهة قضائية فإن هذا الانقضاء كأثر من الآثار التي رتبها ذلك الإعلان لابد أن يصدر به حكم قضائي يقرر تحقيق أثر هذا الانقضاء) يفهم من ذلك أن المحكمة الدستورية العليا قد فسرت نص المادة 236 ووضحت مفهوم الأثر النافذ مؤكدة أن الآثار النافذة هي تلك التي ترتبت على الإعلان الدستوري في الفترة السابقة على وضع الدستور فهي في حكم النص الدستوري يتعين احترامها ونفاذها لأنها مستمدة من الإرادة الشعبية لأن المادة 236 إحدى مواد الدستور وتم الاستفتاء عليها، وأخذًا مما تقدم فإنه يبين أنه بمطالعة الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر 2012م أنه جاء بمادته الثالثة تعيين النائب العام من بين السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب ويشترط فيه الشروط العامة لتولي القضاء وألا يقل سنه عن أربعين سنة ميلادية ويسري هذا النص على من يشغل المنصب الحالي بأثر فوري وهذا النص ترتب له أثر نافذ ذلك أنه صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 386 لسنة 2012 بتعيين النائب العام الحالي لمدة أربع سنوات وصدر هذا القرار في 22 نوفمبر 2012م وهو الأمر الذي يكون معه قد ترتب أثر على الإعلان الدستوري وهذا الأثر هو القرار الجمهوري بالتعيين، وقد ظل نافذًا منذ صدور الإعلان الدستوري وحتى وضع الدستور ومؤدى ذلك بقراءة حكم المحكمة الدستورية العليا وتفسيرها لنص المادة رقم 236 من الدستور يكون تعيين النائب العام صحيحًا وباقيًا ونافذًا ولا يجوز التعرض له للإلغاء لأنه يطابق صحيح نص المادة 236 من الدستور وقد فسرتها المحكمة الدستورية العليا في الحكم الأخير بشأن الجمعية التأسيسية وعرض لذلك بالأسباب وهو ما يتعين الالتزام به أمام الدائرة التي تنظر الطعن على الحكم الصادر في الدعوى رقم 3980 لسنة 120 ق استئناف عالي القاهرة – دعاوى رجال القضاء ذلك أن حكم الدستورية العليا فسر المادة 236 من الدستور وهذا التفسير ملزم للكافة وهو يناقض التفسير الذي خلصت إليه دائرة طلبات رجال القضاء في شأن النائب العام ولا يقدح في ذلك أن هذا التفسير قد ورد في أسباب الحكم لأنه تفسير مرتبط بالمنطوق وأحكام المحكمة الدستورية العليا ملزمة للكافة فإذا ما اعتنقت محكمة النقض هذا التفسير وأخذت به بقي النائب العام الحالي في منصبه المدة المقررة، ولكن إذا لم تعتنق محكمة النقض دائرة طلبات القضاة هذا الأمر فلن يكون هذا الحكم الصادر منها هو خاتمة المطاف في مسألة النائب العام لأنه يكون قد خالف تفسير الدستورية العليا وسندخل في سجال قضائي جديد تحسمه المحكمة الدستورية العليا وليس هذا الأمر بجديد إذ إنه له سابقة في قضاء الدستورية العليا إذ إنه صدر منها في الدعوى رقم 48 لسنة 17 قضائية دستورية حكمان مهمان الأول عن خلو الرجل وتقاضي مبالغ خارج نطاق عقد الإيجار وحتى يفهم القارئ قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى وبعد دستورية تجريم مقدم الإيجار وخلو الرجل وقالت في أسبابها أنه قد صدر القانون رقم 4 لسنة 1996 وجعل العلاقة الإيجارية حرة وأنه ورد به نص يقول إنه يلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القانون، وخلصت من ذلك المحكمة إلى أن القانون رقم 4 لسنة 1996م ألغى جرائم خلو الرجل وتقاضي مبالغ خارج نطاق عقد الإيجار بأثر رجعي ويكون قانونًا أصلح للمتهم لأنه نظم الموضوع من جديد إلا أن الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض في القضية رقم 11539 لسنة 1990 بجلسة 13/4/1997 لم تعتنق هذا التفسير من المحكمة الدستورية العليا وقالت إن صدور القانون رقم 4 لسنة 1996 لا يطبق بأثر رجعي وقالت ردًا على قضاء الدستورية إن هذا التفسير من المحكمة الدستورية العليا وقالت إن صدور القانون رقم 4 لسنة 1996 لا يطبق بأثر رجعي وقالت ردًا على قضاء الدستورية إن هذا التفسير منها قد ورد بأسباب الحكم ولم يتعرض لدستورية أو عدم دستورية نصوص قانونية مطعون عليها في منطوقه وبذلك لا يقيد المحكمة فأقيمت أمام المحكمة الدستورية العليا منازعة تنفيذ رقم 1 لسنة 19 ق منازعة تنفيذ دستورية وقضت فيها المحكمة بتاريخ 3/10/1998 بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 48 لسنة 17 ق فيما فصل فيه من اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 أصلح للمتهم وقالت في أسبابها إن ذلك الحكم الصادر من الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض يمثل عقبة قانونية يتعين إزالتها لأن حكمها قد تم تشييده بانتفاء مصلحة المدعي على أساس ما جاء بأسبابه، وقالت صراحة إن حكم الهيئة العامة لا يطول الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية سواء كان الحكم قد قضى بعدم دستورية النص الطعين أو برفض الدعوى أو بعدم قبولها فصلًا في مسألة دستورية بما يلزم كل سلطة في الدولة بما فيها الجهات القضائية على اختلافها. وخلاصة القول مما سلف وتطبيق هذه القواعد بأنه ما إذا صدر قضاء من محكمة النقض في الطعن على الحكم بإلغاء تعيين النائب العام الحالي بتأييده فإنه يكون قد خالف تفسير المحكمة الدستورية العليا لنص المادة 236 من الدستور وسيكون عقبة تتيح لصاحب المصلحة اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا للاستمرار في تنفيذ حكمها الصادر في الدعوى رقم 116 لسنة 34 قضائية دستورية بشأن الجمعية التأسيسية مما جاء بأسبابه من تفسير المادة 236 من الدستور لتحسم هي النزاع وتُعمل تفسيرها أما إن ألغت محكمة النقض الحكم الصادر من دائرة محكمة رجال القضاء فيتعين الاهتداء بتفسير المحكمة الدستورية العليا نص المادة 236 من الدستور ليستقر أمر هذا المنصب الهام كما استقر من قبلة موقف مجلس الشورى وأحقيته في التشريع كاملًا كما يبين من حكمها ويتفق مع صريح النص وهو عينه ما قال به المستشار/ طارق البشري من أنه عين الصواب.. نتمنى ذلك وكفى الله المؤمنين شر القتال..