"ولا يوم من أيامك يا مبارك".. عبارة قابلني بها أبو أحمد حارس العمارة التي أقطن بها في مدخل العمارة هاربًا من جحيم حرارة غرفته التي تقع تحت السلم وعلى يده طفلته التي تبكي من لهيب وسخونة الجو ويقول لي "الكهربا قاطعة يا بيه الله يعينك بقى من غير الأسانسير تطلع سبع أدوار" .. ثم استطرد في حديثه قائلا "كنا حلوين يا باشا أيام مبارك لا كهربا بتقطع ولا حد يقدر من البلطجية يثبّت حد في الشارع وكمان كانت الأسعار أرخص.. ده غير المصايب والكوارث اللي كل شوية نسمع عنها في سيناء.. وكله كوم.. وحكاية أثيوبيا اللي عاوزة تقطع عننا الميه ده كوم.. ده احنا كنا نقطع أبوهم لو فكروا في عمل العملة السودا دي" قلت له بس الشعب كان زعلان من مبارك وقام بثورة وخلعه.. فرد علي "طيب كان مبارك مزعلهم في إيه" قلت له "الناس كانت بتقول إن مبارك حرامي وكان سايب ولاده جمال وعلاء وصحابهم من رجال الأعمال بيتحكموا فينا وكمان كان الفساد والسرقة للركب ده غير كان فيه تكميم أفواه ومفيش ديمقراطية وحرية وقمع" فباغتني أبو أحمد بكلمات سريعة بسيطة تعكس كم الإحباط الذي يعيشه المواطن المصري" أنا لا أعرف ديمقراطية ولا يحزنون بس اللي بشوفه في التليفزيون أن بتوع الثورة دلوقتي في السجن والإخوان دول مضايقين الناس كلها والكل كارهم ونفسه يتخلص منهم.. وكمان بشوف ناس كتير بتدعي عليهم وبتقول عليهم كدابين وسرقوا الثورة ورغم إني مش فاهم حاجة بس بصراحة أنا كل اللي عاوزه أني وولادي نعيش في أمان ولا حد يدخل علينا في عز الظهر ويسرقنا.. وكمان ألاقي الأكل بسعر رخيص.. ونفسي مرة ألاقي علاج لولادي من غير ذل وبهدلة في مستشفيات الحكومة كأننا بنشحت.. والله العيشة بقت صعبة أوي ولا أي دخل بيكفي.. إيه الحل يا بيه؟؟".. قلت له يا أبو أحمد" لازم نصبر ونتحمل ما دام الأغلبية من الشعب اختارت رئيس من الإخوان "فقالي" وهنصبر كام سنة"، قلت له: "فات سنة ولسه ثلاثة"، فصرخ بعفوية الصعيدي البسيط: "يا نهار أسود 3 سنين.. مين هيقدر يستحمل.. صعب ده إحنا خلاص قربنا نطلع من هدومنا".. وبينما كانت تدوي صراخات أبو أحمد من القهر والظلم وضيق الحال عادت الكهرباء وصعدت لشقتي وحديث أبو أحمد يشغل تفكيري.. للأسف الشديد ليس هذا المواطن البسيط فقط هو المحبط، فكلنا محبطون ونعيش في أسوأ فترات حياتنا.. فلا نرى بارقة أمل لمستقبل مشرق بعدما تمكن من يعتلون السلطة بمهارة أن يقتلوا كل الأحلام ويزرعوا بقلوبنا الإحباط والحسرة والوجع والآلام.. فلم يتوقع المصريون أن يأتي يومًا ويحكمهم رئيس يوجه كل أهدافه وقراراته لتمكين جماعته وإخوانه من مفاصل الدولة ليظلوا جاثمين سنوات على صدرونا.. كما لم نتوقع أن نبتلى بحكومة "مرفوعة من الخدمة"، أقصى ما يمكن أن يفعله مسئولوها إصدار بيانات تطمين كاذبة عند كل مصيبة، ولا أدل على خيبة الحكومة من كارثة سد النهضة الإثيوبي الذي سارعت الحكومة ومن قبلها الرئاسة بالتأكيد أن مصر لن تضار وأن حصتها المائية بأمان قبل أن تستفيق على وقع الصدمة وأن الفاجعة كبيرة.. للأسف مصر تدفع ثمن إسناد المناصب لأشباه مسئولين.. فمنهم من يده مرتعشة لا يقدر أن يصدر قرارًا لأنه مش فاهم حاجة.. وآخر يتلقى التعليمات من مكتب الإرشاد.. والأغرب من جاء ليدمر الثقافة رغم أن كل مؤهلاته دردشة على الفيس بوك مع "تلميذة".. ولا مانع من مندوب مبيعات لحقيبة الاستثمار.. هكذا تدار مصر.. فما الحصيلة إذن إلا خراب ودمار؟!