غداَ يبدأ الاحتفال السنوي بعيد وفاء النيل ، سيجتمع شعب مصر حول النهر العظيم ، سيرقصون ويغنون ويمارسون طقوس الاحتفال البهيجة. سننهل من ماءك العذب أيها النيل الكبير ، وسنروى أرضنا ، ونسقي البهائم والزرع ، سنبقى نعترف بفضلك علي بلادنا ، ونحذر دوماً من غضبك علينا. لن ندخر وسعاً في سبيل رضاك عنا ، نرغب في أن نلقي بأنفسنا وأبنائنا كلهم في مياهك الصافية قرباناً لك ، وعرفاناً بجود فيضك ، وحذرا أن تحرمنا من فيضانك. في اليوم المشهود اجتمع الكبير والصغير ، الكبراء والأمراء والأعيان ، الرجال والنساء والولدان ، واصطفوا علي جانبي النهر ، ينتظرون الموكب الكبير ، بعد قليل وصل الفرعون وحاشيته ، في كامل الزينة و"الأبهة" ، ويتقدم الموكب العروس المزينة ، وسرعان ما بدأت مراسم الحفل بالرقص ونثر الورود ، وفي اخر اليوم وقبل الغروب ألقيت العروس في النيل ، وتهللت الأسارير فقد قبل النهر القربان ، ومنحنا الماء والحياة ، وسنعود في العام القادم لنرمي فيه بعروس جديدة ، وسيكون له منا دوماً كل الوفاء والعرفان. بعد سنيين بل قل قرون .. ساءت الأحوال ، وفشى البغي والظلم والبهتان، وأصاب النهر ما أصاب الأرض من العدوان ، وصار النيل مستباحاً من أهل البلاد ، فدأبوا على التعدي عليه بالردم والبناء ، وخلطوا ماءه بالأوساخ والقاذورات ، وتطاولوا عليه بالعقوق والنكران ، وظنوا أنهم بمنأى عن عقابه وغضبه. فشح بماءه عنهم ، وتطاولت شعوب الجنوب في منبع النيل عليهم ، حتى أنهم عزموا على أن يختصوا أنفسهم بمعظم المياه ، وفكروا في حرمان أهل الشمال من نصيبهم المستحق عبر الأزمان. هنا ثارت ثائرة المصريين ، وظنوا أن الماء حق لهم مكتسب ، ورثوه كابراَ عن كابر. لا يملك إنس أن يمنعه عنهم فضلاً عن أن يكون من الجان. ونسوا أن النيل هبة العزيز المنان ، إن شاء أجراه وإن شاء منعه منهم أوسلط عليهم أقواما غيرهم ، يستأثرون به فيصلحون الأرض ويقيمون البنيان. ولم يتنبه لذلك إلا القليل من أصحاب العقول الرزينة ، والقلوب المطمئنة. فقالوا.. الجئوا إلى الله بالدعاء ، واجتهدوا في تحصيل الخير بسؤال الرحيم الرحمن. واعملوا بجد في طريق البناء والتخطيط والعمران. فغضب لذلك أبناء الفراعنة من بني علمان ، وقالوا لنا: ما أخبلكم! أتظنون أنكم بالدعاء.. تعيدون لنا الخير والماء ، ويكون لنا من بعد ذلك القوة ونزرع ونصنع وننتج "الكهرباء"؟ عجيب أمركم أيها الإخوان! ما أنتم إلا سذج وبلهاء ، أصابكم الغباء ، وأنستكم السلطة ما ينبغي أن يكون من أصول البناء. وطفقوا يرغون ويزبدون .. كل ذلك بسبب أننا تنادينا باللجوء لخالق الأرض والسماء ، ونسوا أنهم على مر الأجيال يتداولون قصة العروس الغريقة دونما تعجب أو استياء ، وكأن الخرافة هي الأصل ، وأن العبادة هي الإستثناء. وبسبب اليقين عندنا أن الماء نعمة من الله ، لن ننصرف يوماً عن صيانة النهر الجاري من قديم الزمان ، ولن ننسى أبداً أنه إنما يجري بأمر الكريم المنان ، وبذلك صار الدعاء مفتاح الخير والنعمة والنماء ، مع ما يلزم من حسن الترشيد وكمال التدبير ، وعما قريب سيدرك ذلك بنو علمان. " اللهم اجهل النهر جاريا على أهل مصر غزيرا ، واجعل ماءه عذبا زلالا وفيرا ، ولا تحرمنا خيره بسفاهة السفهاء ، أو تمنعه عنا بجحود أو فجور أو سوء أدب مع ربنا جليل القدر ، عظيم السلطان". عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.