فى مؤتمر عقد بالدوحة قبل يومين لنصرة الشعب السورى وثورته الجسورة، اعترف العالم الجليل الشيخ يوسف القرضاوى أنه أخطأ عندما لم ينتبه إلى التحذيرات التى أطلقها علماء ومفكرون عن مخاطر المشروع الطائفى لتنظيم حزب الله اللبنانى قبل سنوات، وقال إنه ظل يدافع عن الحزب ويتصور أنه مشروع للمقاومة فعلاً ومن أجل فلسطين، قبل أن تكشف له الأيام أنه "حزب الطاغوت"، حسب وصفه، وأن زعيمه هو "حسن نصر الشيطان"، وأنه أشد خطورة على الإسلام والمسلمين من اليهود، ودعا الأمة كلها للانتفاض لمقاومة خطر إيران وتنظيم حزب الله اللبنانى الذى يشارك الآن بكل قوته ورجاله وعتاده فى عملية إبادة الشعب السورى وقمع ثورته، ويشارك فى حصار المدن السورية وذبح أهلها، وقال إن الإيرانيين خدعوه سنوات بحكاية التقريب بين المذاهب، بينما كانوا يسحقون أهل السنة فى العراق ويمكنون للطائفية ثم يذبحون أهل السنة الآن فى سوريا ويمدون بشار بالمال والسلاح والرجال والتدريب، وقال إن المتاجرة بقضية فلسطين كانت مجرد ستارة كاذبة لخداع الشعوب عن مشروعهم الطائفى، هذا ملخص ما قاله العالم الجليل قبل يومين، وهو اعتذار للأمة يحسب له فى ميزان أخلاقه ونبله وشجاعته، وأرجو أن يكون له فى ميزان حسناته يوم أن يلقى وجه ربه، وللتذكرة فحقيقة حسن نصر الله وتنظيمه كانت واضحة لى كالشمس فى العام 2008 عندما اجتاحت قواته لبنان وسيطرت بسلاحها "الذى أعدته لتحرير القدس!!" على أحيائها السنية وقتلت وجرحت العشرات وأخضعت لبنان لفوهة بنادقها، قبل أن ترضخ الحكومة وتلغى قراراتها لتؤكد على أن حزب الله يملك دولة حقيقية بنظم اتصالات وسيطرة على مطار بيروت لضمان استمرار ضخ السلاح والذخيرة والعتاد، كما كانت التقارير مروعة عن مشاركة قوات حسن نصر الله فى المشاركة بمذابح طائفية بالعراق وتدريب ميليشيات شيعية متطرفة هناك، لتتمكن من بسط سيطرتها على البلد ولزيادة كفاءتها فى ذبح أهل السنة والتنكيل بهم وبأحيائهم، وأذكر أننا فى "المصريون" كتبنا كثيرًا، ونشرنا كثيرًا، وكنت فى هذه الزاوية أكتب وقتها على مدار أسابيع عن هذا الخطر وقلبى يعتصر ألمًا على الغفلة، فكان أن تلقيت كميات هائلة من الشتائم والاتهامات بالعمالة وبيع القلم وبيع الضمير والتصهين، وكلام كثير اعتدنا من المتعصبين والغافلين فى كل وقت وحين أن نسمعه، ولم يكن يؤلمنا الشتائم أو الاتهامات بقدر ما كانت تؤلمنا الغفلة التى يعيش فيها كثير من أبناء الوطن بمن فيهم مع الأسف تيارات إسلامية، وأذكر أن الدكتور محمد مرسى، عضو مكتب الإرشاد وقتها أجرى حوارًا مطولاً مع موقع قناة العربية دافع فيه دفاعًا مجيدًا عن حزب الله وعن إيران، وأكد أن إيران تبنى مساجد أهل السنة فى العاصمة طهران، وسأله بعض الكتاب عن عنوان مسجد واحد، وفى أى شارع أو حارة أو زنقة، فلم يجب، كانت الغفلة شاملة، وبعض الكتاب قاطعنا فى "المصريون" ورفض الاستمرار فى الكتابة بوصفنا عملاء للصهاينة وخنجرًا فى ظهر المقاومة، وكان هناك كتاب وصحفيون عرابون لحزب الله والنظام الإيرانى فى القاهرة وما زالوا يروجون لخرافات الحديث عن المقاومة والممانعة، ثم احتاج الأمر إلى خمس سنوات كاملة لكى يكتشف هؤلاء أن مشروع حزب الله محض مشروع طائفى وميليشيات شيعية زرعتها إيران ومولتها وغذتها فى لبنان كورقة لعب إقليمية وقوة حماية طائفية لمشروع آت لا محالة، وأن حكاية المقاومة وفلسطين هى مجرد غطاء للمشروع الحقيقى، تمامًا كما فعل كل الجبابرة والمستبدين من حكام العرب الذين تاجروا بقضية فلسطين من أجل إذلال شعوبهم وحرمانها من الديمقراطية بوصفهم حائط الصد أمام الخطر الصهيونى وأنهم أمل الأمة فى تحرير فلسطين، وكان كل انقلاب عسكرى أو سياسى فى عاصمة عربية يدهن دائمًا بصابونة المقاومة وفلسطين، حتى حافظ الأسد وابنه اللذان لم يطلقا مجرد طلقة عصافير واحدة منذ أربعين سنة تجاه فلسطين، جرؤ البعض على وصفهم بنظام المقاومة، كنا نشعر بالإحباط الشديد من هذه الغفلة، ولكننا كنا واثقين من أن الله سيزيل هذه الغمامة عن الأعين ولو بعد حين، وهو ما كان، وهو من بركات وثمار ثورة الشعب السورى البطل، التى مزقت أستار الزيف، وكشفت أن سلاح حزب الله معد أساسًا للمشروع الطائفى، وحكاية "التحرش" الممنهج بدقة مع إسرائيل هو فى حدود صناعة وهم البطولة والمقاومة لا أكثر، والفاتورة كان يدفعها الشعب اللبنانى وليس الحزب، وعندما كانت غزة محاصرة وتدك بالطائرات والمدفعية لم يحرك نصر الله جنديًا واحدًا على حدود العدو، ولكن عندما بدأ المشروع "الحقيقى" يتهدد فى سوريا، انسحب جنود حسن نصر الله من الجنوب اللبنانى إلى سوريا فى القصير وحمص وحلب وريف دمشق، ولسوء حظه نسى نصر الله فارق الزمان، فكان أن تسبب فى أكبر موجة سخرية عندما خطب أخيرًا ليبرر غزوه لسوريا وذبحه لأطفال سوريا ونسائها ورجالها، بأنه إذا سقطت سوريا سقطت فلسطين، وبالتالى فالطريق إلى القدس يمر بالقصير على جماجم أطفال سوريا ونسائها، .. أحيانًا يكون الرهان على الزمن والوقت، هو الوحيد الذى تملكه للإقناع حتى تنزاح الغمة وستائر التضليل عن العقول والقلوب لتعرف الحقيقة وتكتشف الخطر على حقيقته، وعلينا انتظارًا لدروس الأيام أن نتحمل الإهانات والاتهامات والشتائم، فذلك جزء من ضريبة أن تخلص لوطنك وأمتك، وأن تثبت على الحق وسط عواصف الغضب الطفولية وقصيرة النظر.