نقف في سورية اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تقتضي مزيداً من الصدق في التعامل مع أنفسنا و مع الآخرين . نحن في سورية لا نريد حرية مستوردة يفصِّلها لنا الخياط الأمريكي فالتاريخ يثبت أن الشعوب تحصل على حريتها من خلال إدراك ذاتي بأهمية هذه الحرية و ضرورتها ثم من خلال حركة واعية تنسجم مع ثقافة هذه الشعوب و تاريخها تترجم هذا الإدراك إلى واقع . إن سلبية المواطن السوري و الرهاب ( الرهاب مرض نفسي يحدث فيه خوف مرضي لا مبرر له ) الذي يعانيه من التفكير ( مجرد التفكير ) في البحث عن طرق تكفل له المشاركة السياسية و شعور هذا المواطن بوجود مؤامرة كبرى موجهة ضده لا يستطيع مواجهتها و نظره الدائم إلى الوراء بدل التطلع إلى الأمام و عدم إدراكه لطبيعة المرحلة و تغيرات الواقع كل ذلك يعيق أي تفعيل حقيقي للحوار السياسي الداخلي في سوريا ، أما من جانب الدولة فما زالت هناك مبالغة في الإجراءات الأمنية و التي و إن كانت تهدف إلى الحفاظ على أمن الوطن إلا أنها تدفع المواطن لكي يوغل في سلبيته و خوفه و لامبالاته و ذلك سيؤدي إلى عزل السلطة عن الشعب و بالتالي إلى الإخلال بأمن الوطن فالمرحلة تقتضي تلاحماً حقيقياً و ليس إعلامياً و شكلياً بين الشعب و قيادته و تقتضي إحساساً من المواطن بحريته و كرامته و إنسانيته في رحاب وطنه ، عندما يتحقق هذا التلاحم و هذا الإحساس ستقف القيادة و الشعب صفاً واحداً في مواجهة التحديات الخارجية و لن تجرؤ أمريكا أو غيرها على المزاودة علينا في قضايا الحريات و حقوق الإنسان و عندها تستطيع سوريا أن تتجاوز هذه المرحلة الصعبة بل تستطيع بما تملكه من موقع استراتيجي و من ثقل قومي و إسلامي أن تلعب دوراً قيادياً على مستوى المنطقة بل على مستوى الأمة بأسرها . لا يوجد عاقل على وجه الأرض يدعي لنفسه العصمة عن الخطأ و نحن في سوريا عقلاء و مستعدون للاستفادة من تجارب الأمم الأخرى و للدخول في حوار معها أما عندما تريد هذه الأمم أن تصدر إلينا تجاربها بالإكراه و أن تمليها علينا إملاء فليس هذا هو الحوار البناء الذي تستفيد منه الأمم . و من هنا نحن نثمن الموقف السوري الرسمي الذي رحب بالحوار مع أمريكا و رفض الاملاءات من قبلها و لكنني أقول لكي ينجح حوارنا مع الآخر يجب أن نبدأ حواراً داخلياً ذاتياً يُفسح فيه المجال للرأي و الرأي الآخر بعيداً عن كيل الاتهامات و الحكم على النيات .