من حق أبناء الجزيرة في الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية أن يرفعوا هاماتهم إلى السماء افتخاراً بإنجاز الجيش العربي السعودي في تأديب الحركة الحوثية واستئصال شأفتها من على الحدود الجنوبية. من حق الرياض الآن أن تستعد لاستقبال جنودها البواسل في مهرجانات فرح كبرى بعد أن أدوا الواجب في الدفاع عن تراب الوطن وردع المعتدين وتدمير أحلامهم المريضة. هذه المناسبة البهيجة يجب أن يُحتفى بها على مستوى الخليج أجمع. فقد كانت حرباً للدفاع عن أمن الخليج وترسيخاً لأمان شعوبه، وضرباً لنوايا الشر. هذه الحرب أكدت أن أمن الخليج واحد. وأن المسؤولية تجاه الأمن القومي الخليجي يتحملها الجميع. وأن الاعتداء على حدود دولة من دوله هي اعتداء على كل الحدود. وأن التحرك العسكري السعودي كان في محله من حيث الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى، والتي تمنع.. بل تضرب بيد من حديد.. على كل حلم كاذب لإنشاء كيانات أو دويلات لحساب قوى إقليمية صار تورطها في الجريمة بيّناً لا لبس فيه. الحركة الحوثية، والتي تحولت الآن لعصابات هاربة في سفوح تهامة بفعل القبضة السعودية الصارمة، كانت تسعى وبدعم إيراني لإقامة "إسرائيل حوثية" جديدة تكون في الخاصرة الجنوبية. واستغلت إيران ثالوث الدمار في شمال اليمن من تخلف وفقر وجهل في التبشير بالكيان الجديد، عبر التهريب البحري للسلاح والدعم السياسي والعسكري والإعلامي. ولنتصور وضع الخارطة الجديدة فيما لو نجح الحوثيون في إقامة كيانهم، وعاصمته صعدة، في الإيقاع بجزيرة العرب في حصار ثلاثي مجرم. أركان هذا الحصار موزعة على عراق محتل أمريكياً وإيرانياً في الشمال الشرقي، واسرائيل الصهيونية في الشمال الغربي، واسرائيل الطائفية في الجنوب على الحدود مع اليمن. لابد وأن إيران تعيش الآن خيبة فشل مشروعها في شمال اليمن. بعد أن رعت الحركة الحوثية طيلة ست سنوات متصلة بكل أنواع الدعم. وكان خيارها هذا مدروساً بعناية. فهو من جهة استغلال لحاجة الشمال اليمني الموغلة في الفقر و التخلف. ومن ناحية أخرى إقامة موطئ قدم في منطقة القرن الأفريقي بمحاولة السيطرة بممر باب المندب الاستراتيجي، والذي تمر من خلاله ناقلات النفط من الخليج إلى أوروبا وأمريكا. ومن ناحية ثالثة، ضرب لاستقرار جنوب جزيرة العرب على شاكلة إعادة نسخ نموذج "حزب الله" في المنطقة بنسخة يمنية. ولهذا كانت الرسالة التي وجهتها القيادة السعودية واضحة من حيث عدم القبول بالقيام بهذه الللعبة مجدداً. ذات المضمون وصل إلى الخلايا التي زرعتها طهران في مجتمعات الخليج. وأضحت إيرانُ تهدد بها حكومات المنطقة كلما ضاقت بالضغط الغربي والأمريكي فيما يخص برنامجها النووي وطموحاتها الإقليمية. الرسالة هي عدم القبول بأي تلاعب بأمن المنطقة حتى ولو وصل الأمر باستخدام الحسم العسكري كما في الحالة مع الحركة الحوثية. بقيت الآن المعالجة الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لضحايا هذه الحرب، بما فيهم أتباع الحركة الحوثية. إذ يبقون في النهاية عرب غُرر بهم في معركة خائبة خاسرة. هذه المعالجة يجب أن ترتكز على إقامة مجتمع عادل تتوزع فيه الثروات بشكل يضمن تنمية مناطق الشمال اليمني. ولا ننسى في هذه العرض مأساة ربع مليون لاجئ يمني وجدوا أنفسهم في االخيام بسبب ضراوة الحرب. هؤلاء يجب أن يُعادوا إلى دورهم وقراهم. وهذا المشروع ،وليكن شبيهاً بمشروع مارشال في إنهاض اليمن ككل، هي مسؤولية سعودية خليجية. فكما أن عبء مساعدة اليمن في التخلص من التمرد الحوثي انصب في غالبه على الجهد العسكري السعودي، فإن إنهاض اليمن وتعديل ميزان التنمية فيه لابد وأن يكون بجهد خليجي جماعي. وذلك قبل أن تستغل قوى إقليمية أخرى الفرصة ويكون العلاج مكلفاُ للغاية فيما بعد. أما أنتم يا شهداء الواجب من أبطال الجيش السعودي فلكم الرحمة على قدمتم من بطولات، لاشك وأن خيرها ستكون رفعة لوطنكم الغالي. فهنيئاً لكم الشهادة والخلود. * أستاذ الإعلام السياسي- جامعة البحرين