لم تكن التصريحات النارية عن السيادة التي أطلقها وزير الخارجية والمتحدث باسمها - على خلفية بناء الجدار الفولاذي العازل بين مصر وقطاع غزة- سوى جعجعة فارغة بلا طحن واستقواء على الأطفال والنساء المحاصرين في غزة لمنع قوافل الإغاثة الدولية من الوصول إليهم، ولم تكن التهديدات بإهدار دم كل من يتحدث عن عدم مشروعية الجدار حتي ولو كان مصريا وهما كبيرا يخفي ضعفا بنيويا في النظام الحاكم وخللا استراتيجيا في أبعاد الأمن القومي، فقبل أن ينتهي أسبوع واحد على زوابع التهديد والوعيد، بل والتلويح بعمل عسكري ضد أهل غزة من فريق حزب عز جاءت شهادة مصطفى الفقي رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشعب على صفحات المصري اليوم- لتصب الماء البارد على الغافلين وتعري وهم السيادة المزعوم على الملتحفين به. والتصريح الكاشف لحقيقة نظام الحكم وحزبه الحاكم هو أحد أهم أعمدة النظام المصري ومن الشخصيات النافذة والمقربة من القيادة السياسية وكان إلى عهد قريب السكرتير الخاص للمعلومات لرئيس الجمهورية، ومن ثم فلكلام جد لاهزل فيه. هذا الحوار المستفز للمشاعر الوطنية الحقة يطرح ملايين التساؤلات على القيادة السياسية وعلى مؤسسات السيادة في الدولة بما في ذلك مؤسساته التشريعية كمجلسي الشعب والشورى والسلطة الثالثة أقصد القضاء ؟ ما دور كل منها منفردة في الوصول إلى هذه الحالة من تسليم مقاليد الحكم والسيطرة إلى دول أجنبية معادية للشعب ؟ ثم ما دور هؤلاء جميعا فيما آل إليه الحال اليوم ؟ وهل يوجد بينهم من شارك أو يقبل أن يشارك في تسليم إرادة مصر ونظامها الجمهوري إلى يد أعداء الشعب ؟ ربما يكون في الكتاب الذي وضعه الكاتب الإنجليزي " جون برادلي" أخيرا بعنوان " Inside Egypt ( داخل مصر ) تفسير لما صرح به الفقي، يقول برادلي " إن حال مصر اليوم يذكرنا بإيران خلال الأيام الأخيرة للشاه " ويقول في موضع آخر من كتابه " إن الولاياتالمتحدة تلعب دورا أساسيا في رسم السياسات الداخلية المصرية الحالية " أي أن الإدارة الأمريكية تتحكم في الخزانة المصرية اليوم كما تحكم الإنجليزية وتدخلوا في قرارات الحكومة وتواجدوا تواجدا عسكريا فيها من قبل" ألا ينفق هذا مع كلام الفقي. إن الحقيقة التي اعترف بها الفقي ثم حاول التهرب منها لا تتوقف عند ظاهر الحوار، بل تمتد خيوطها إلى محاضرة وزير الأمن الإسرائيلي ( آفي دختر ) التي تعتبر قراءة استراتيجية لوضع قائم عن علاقة مصر بإسرائيل، وقد تناوله المفكر الكبير فهي هويدي في إحدى مقالاته، وأقتبس من المحاضرة والمقال العبارات الموجزة الآتية التي وردت على لسان وزير الأمن الإسرائيلي: • عيون إسرائيل والولاياتالمتحدة مفتوحة على ما يجري في مصر، وهما يرصدان ويرقبان ومستعدان للتدخل من أجل كبح جماح هذه السيناريوهات ( المفاجئة ) التي سنكون كارثية بالنسبة لإسرائيل والولاياتالمتحدة والغرب. • المؤشرات الميدانية تبين أن النظام في مصر يعاني الآن من عجز جزئي عن السيطرة على الوضع بصورة كافية، وبالتالي فإن الولاياتالمتحدة وإسرائيل تسهمان في تدعيم الركائز الأساسية التي يستند إليها النظام، ومن بين هذه الركائز نشر نظام للرقابة والرصد والإنذار قادر على تحليل الحيثيات التي يجري جمعها وتقييمها ووضعها تحت تصرف القيادات في واشنطن وتل أبيب والقاهرة. • تحرص الولاياتالمتحدة وإسرائيل عبر ممثلياتها المختلفة في مصر على إسناد حملة جمال مبارك للفوز بتأييد الشارع والرأي العام المصري ودعم أنشطته المختلفة الاجتماعية والثقافية، ليكون أكثر قبولا من والده في نظر المصريين. • لدى الولاياتالمتحدة وإسرائيل استراتيجية استباقية لمواجهة أي متغيرات، فبعدما وطأت أقدام واشنطن مصر بعد رحيل عبد الناصر أدركت أنه لابد من إقامة مرتكزات ودعائم أمنية واقتصادية وثقافية- على غرار ما فعلته أمريكا في تركيا إبان الحرب العالمية الثانية تبدو واشنطن أقل قلقا وانزعاجا منا ( إسرائيل ) إزاء مستقبل الأوضاع في مصر. • تعتمد هذه الثقة الأمريكية على عدة عوامل هي: أ- إقامة شراكة مع قوى وفعاليات تمتلك عناصر القوة والنفوذ. ب- إقامة شراكة أمريكية مع الأجهزة الأمنية على مختلف المستويات. ج- الاحتفاظ بقوة تدخل سريع من المارينز في النقاط الحساسة يمكنها الانتشار خلال بضع ساعات للسيطرة على مراكز عصب الحياة بالعاصمة ( القاهرة ) د- مرابطة فطع بحرية وطائرات أمريكية في قواعد خاصة تتحرك عند اللزوم ( انتهى الاقتباس ) المحصلة النهائية أن تصريح مصطفى الفقي اعتراف رسمي بصدق كل ما قاله وزير الأمن الإسرائيلي آفي دختر في محاضرته الخطيرة، وتأكيد لما ذكره الكاتب الإنجليزي جون برادلي، واعتراف الفقي يكشف أن مسألة السيادة وهم كاذب، وهي غطاء سياسي للجدار الفولاذي العازل الذي تقيمه الإرادة الأمريكية الصهيونية صاحبة الإرادة والفعل. [email protected]