لو فتحت مغارة على بابا لن توفى بمتطلبات الشعب بعد الثورة، في ظل تراكم المشاكل بشكل دائم على مر السنوات الثلاثين قبل قيام الثورة، حتى أصبحت مصر ثكلى بأبنائها، وما يطالب به المواطن من أساسيات الحياة التي يحتاجها أي شعب ليعيش، فبانتهاء أيام الثورة الثمانية عشر لم يعط الشعب فرصة للمجلس العسكري وقتها وحكومة عصام شرف لالتقاط الأنفاس، بما يواجهانه من أعباء ثقيلة تعرفها وتقر بها كل الفصائل السياسية بمختلف أطيافها، بصرف النظر عن من يحكم الآن بعد انقضاء الفترة الانتقالية، وتسليم المجلس العسكري السلطة للرئيس مرسي، وهذا ليس دفاعًا بالمناسبة عن حكومة هشام قنديل ورئاسة مرسي، بقدر التأمل في الوضع القائم وما تواجهه مصر من أخطار لا يقدر عليها البعض ممن يعلو صوتهم يوميًا مطالبين بالإصلاح ووضع الحلول لجميع المشاكل، ليلمس المواطن العادي شيئًا يرفع من وضعه الاجتماعي ويخفف بعض آلامه ومشاكله التي لم تكن وليدة الوقت الراهن.. ويعرف الساسة أن الثورات تعقبها بصفة دائمة تضحيات كبيرة وشيء من التخبط على كافة الصُعد، باعتبارها نقلة للشعوب من وضع كان مقبولًا لديهم لوضع آخر يتطلعون إليه بشوق بأن يكون أفضل مما سبق، بفتح آفاق واسعة وأحلام يُنتظر تحقيقها، وهو ما يحتاج جهدًا خارقًا، من الحكومات التي تعقب الثورات دائمًا على أن يكون الشعب الثائر هو أول من يسارع بدعمها لتحقق ما يصبو إليه، بأن يقدم التضحيات إما بالصبر على وضع أصلًا سيئ أو التقشف وتأجيل مطالبه الفئوية كافة إلى حين استتباب الأمور وتبدأ الدولة تخرج من شرنقتها التي وضعها فيها النظام السابق، وتشتم نفسها بشكل تستمد منه قدرتها على مواجهة جبال المشاكل المتراكمة من زمن مضى، والتعامل معها بحسب أهميتها وانعكاساتها على المواطن العادي، الذي دائمًا ما يكون مرآة ومقياسًا لنجاح الحكومات، شرط أن يشارك هو نفسه في المساعدة على الحلول السريعة بتضحياته التي لابد أن يقر بها لمساعدة الوطن، دون اللهفة والسرعة والاستعجال بإصلاح ما أفسده حكامه السابقون، فمنذ قيام الثورة ما أحدثه البعض في مصر من فوضى خلاقة ناتجة عن رفض نموذج تنموي قائم والمطالبة بنموذج آخر ليحقق مطالب فئات الشعب كافة، كلفت الدولة ما يزيد على العشرين مليار جنيه بحسب تقرير صادر عن وزارة المالية قبل عام، وبالتأكيد الرقم ربما زاد عن ذلك بكثير، قابله ارتفاع العجز في موازنة الدولة ليصل 245 مليار جنيه للعام المالي الحالي، مما دفع بالدولة للاستدانة من صندوق النقد الدولي، وقبول الهبات والقروض من دولتي قطر وليبيا وغيرهما، في محاولة لإنقاذ الاقتصاد وتراجعه خلال الشهور العشرين الأخيرة، وهو خيار وحيد دائمًا ما تلجأ إليه الحكومات في مثل هذه الظروف، أيًا كان توجهها الأيدولوجي كما قلنا، فمن يوجهون اللوم للرئيس مرسي بالتوجه نحو الاستدانة ويكيلون له الاتهامات لو هم في نفس مكانه لن يتغير توجههم عن ذات التوجه، فالظروف الضاغطة والمطالبة بالإصلاح بتحسين المستوى المعيشي للفرد، دائمًا ما تكون العائق في التعجيل بعمل شيء ملموس، فإذا لم تكون هناك تضحيات من الشعوب في مثل هذه الظروف فمن سيضحي ويدفع الثمن، خاصة أن الصبر على "بلاوى" من سبق كان مثل صبر أيوب حتى جاء الانفجار في 25 يناير، قد يقول قائل إن هذا مبرر غير مقبول، وهو تساؤل في محله.. لكن من يشعر برخاء الأوطان وقوتها اقتصاديًا أليس الشعوب، ومن يتضرر من تراجع الاقتصاديات هم الشعوب أنفسهم، ومن يطالب بالتضحيات لعبور الأزمات هم أيضًا الشعوب.. فتعالى الصراخ يوميًا باعتصامات وإضرابات ومطالب لا تنتهي لا يقابله أدنى شعور بالمسؤولية على الإطلاق، يعد سببًا مباشرًا لما آلت إليه الأمور من أزمات تتفاقم ولا تنتهي، ولا يدع أحد فرصة لوضع الحلول، وتعالت نغمة الحنين إلى الماضي بشكل غريب، وكأن هؤلاء يتلذذون بالجروح والقيء يملؤها تحت الجلد، ولا يريدون لها أن تنفجر لتُشفى، كما جرى في ثورة يناير فعندما انفجرت سارع الجميع لإحراز أي نسبة نجاح لو ضئيلة لشخصه على حساب استقرار البلد باقتصاده المعرض للانهيار، والوطن قوامه من.. أليس الشعب؟، فمهما تقدم الحكومات من حلول لن تنجح في مثل هذه الأوضاع المتفجرة بشكل يومي، فتوجه الفرد لو قليلًا ليعرف مسؤولياته بقدر ما يطالب به لكن الوضع وصل إلى مستوى أفضل من ذلك بكثير، وشعر المواطن بما يتطلع إليه من حلول لجزء من مشاكله، فالثورة عندما قامت لم تقم لنلقي بحزمة مشاكلنا مباشرة في وجه من يقود السفينة كما نرى الآن، مطالبين بحلها في زمن قياسي أو المطالبة برقبته ووصفه بالفاشل، فالسيناريو قابل للتكرار حالة تولى رئيس آخر حكم مصر، أو تولى حكومة أخرى بعد حكومة الدكتور قنديل مثلاً، فطبيعي لو جاء نظام آخر سيطلب مهلة يقدم خلالها رؤاه كاملة، فالشعوب تبقى صانعة الحدث سلبًا وإيجابًا.. والحكومات ما هي إلا أداة تقودها إما أن تعينها على عملها أو تكون سببًا مباشرًا في فسادها وفشلها، ومن يقول غير ذلك فهو كاذب، وتبقى مغارة على بابا مفتوحة وقد لا تكفي في ظرف يحتاج منّا الصبر والتكاتف لننهض، فهل من مجيب؟!.