بمرور عام على تولّي الرئيس الأمريكي أوباما مهامَ منصبه الرسمي، يكون من المنطقي أن يُثار السؤال الطبيعي: ماذا أنجز أوباما خلال العام المنقضي من وعوده بتحسين علاقة بلاده مع العالم الإسلامي؟ المسلمون في أنحاء العالم الإسلامي يعتقدون أنّ الرجل أراهم، من خلال تصريحاته وخطبه، وجهًا مختلفًا تمامًا عن الوجه المتطرف لسلفه بوش، حينما تحدث في بداية عهده بإيجابية عن الإسلام وعن ضرورة الحوار والتعاون مع العالم الإسلامي. وعامة المسلمين يتذكرون جيدًا ما قاله أوباما في خطاب تنصيبه يوم 20 يناير 2009م: "بالنسبة للعالم الإسلامي.. نسعى لنهج جديد للمضي قدمًا استنادًا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل." وبعد ذلك بأسبوع، وفي حوار تليفزيوني يوم 27 يناير 2009م يؤكد أوباما على: "التمييز بين الإرهاب وبين الإسلام، وبين المنظمات الإرهابية وبين الأشخاص الذين يختلفون مع رأي السلطات حول الطريقة التي يرونها الأمثل لتطوير بلدانهم". ثم تقدم أوباما خطوة إلى الأمام بزيارتين على جانب كبير من الأهمية في اتجاهه التصالحي مع العالم الإسلامي، كانت الزيارة الأولى إلى تركيا يومي 6 و7 أبريل 2009م، ألقى خلالها خطابًا أمام البرلمان، قال فيه: "الولاياتالمتحدة لا تحارب الإسلام... علاقة أمريكا بالعالم الإسلامي لن تقوم على معارضة تنظيم القاعدة.. إننا نسعى إلى مشاركة أوسع تقوم على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل". وفي زيارته الثانية إلى مصر في 4 يونيو 2009م، ألقى خطابًا بجامعة القاهرة ضمّنه نفسَ الأفكار الإيجابية ودعا للتعاون في سبعة ملفات رئيسية، رأى أنّ من شأن حلها والتعاون فيها، المساهمة في تحسين العلاقات بين بلاده والعالم الإسلامي وهي: عزل المتطرفين، وحلّ القضية الفلسطينية على أساس خطة اللجنة الدولية الرباعية، وأزمة الملف النووي الإيراني، وتطبيق الديمقراطية، ودعم حقوق المرأة، والتعاون في إنتاج فرص التنمية الاقتصادية والتكنولوجية والتعليمية والصحية في العالم الإسلامي. وفي خطوة أخرى مهمة أصدر أوباما تعليماته لأركان إدارته بعد استخدام مصطلح "الحرب على الإرهاب"؛ الذي نَحَتَتْه إدارة بوش الابن وأسرفت في استخدامه، وجعلته الأساس في إدارة علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي. يتذكر المسلمون ذلك كله ويقدرونه ويعتبرونه مختلفًا عما عانوه من تطرف وحماقة بوش الابن، لكنهم في نفس الوقت يقولون: إن الإعلام والكلمات الجميلة والمواقف النظرية لا تحلّ المشكلات المعقدة التي خلفتها إدارة بوش الابن. فكلمات أوباما الجميلة، في بداية عهده الرئاسي وتحديدًا في اليوم الثاني لولايته، وتعهده بإغلاق معتقل جوانتانامو؛ لأنه "أصبح خطرًا على الأمن القومي للولايات المتحدة، ووسيلة لتجنيد المعادين لها"، وإصداره أمرًا تنفيذيًا بإغلاق المعتقل خلال عام واحد، هذه الكلمات الجميلة والوعود البراقة سرعان ما تراجع عنها في 15 مايو 2009م بإعلانه أنّه سيبقي المحاكم العسكرية في معتقل جوانتانامو، ولكن في نطاق "محدود" وفي ظل توفير "حماية" قانونية للمشتبه بهم. وإذا كان أوباما قد راهن على إحداث تقدُّم جوهري في ملف القضية الفلسطينية المعقد، لاعتقاده أن إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل سيؤدي إلى إزالة الكثير من الشكوى الفلسطينية بشأن التحيُّز الغربي ضد المسلمين، ولذلك فقد سارع بتعيين السيناتور السابق جورج ميتشيل مبعوثًا خاصًا إلى الشرق الأوسط، ليتولى إعادة تحريك مفاوضات السلام، إلا أن مساعيه لم تحقق أي تقدم في سعيها لإقناع خمسة من الدول العربية بمعاملة إسرائيل معاملة تفضيلية في مقابل تجميد المستوطنات، وتكسرت جهود أوباما على صخور التعنت الصهيوني، الذي يبدو أنّ أوباما أدرك من خلاله أنه لا قِبَل له بالصهاينة والدعم الهائل الذي يلقونه من مفاصل المجتمع الأمريكي ومنظماته. وإذا كانت إدارة أوباما قد اتخذت موقفًا جيدًا من الاستيطان الصهيوني عوّلت عليه الأطراف الفلسطينية والعربية، إلا إنها لم تصمد طويلاً في موقفها هذا؛ إذ سرعان ما تراجعت عنه، ففي زيارة وزيرة الخارجية الأمريكي هيلاري كلينتون إلى تل أبيب نهاية أكتوبر 2009م، تراجعت عن التزامات أوباما وتطابقت في تصريحاتها مع مواقف حكومة نتنياهو، معتبرة أن إسرائيل التزمت بالتحديد بعدم إطلاق مستوطنات جديدة في الضفة الغربية. ثم جاء التراجع الكامل في تصريحات أوباما نفسه مؤخرًا، والتي اعترف فيها بسوء تقدير إدارته للعقبات الموضوعة في طريق العملية السلمية، ومحدودية الدور الأمريكي، تشكل تراجعًا واضحًا عن جميع وعوده والتزاماته السابقة، وتعبر عن رضوخه أمام الضغوط الإسرائيلية للتخلي عن شرط تجميد الاستيطان الذي قال: إنه شرط ضروري لاستئناف العملية السلمية. وعليه، فإنّ المسلمين إذا أعربوا عن خيبة أملهم في أوباما لإحداث اختراق في هذه القضية الرئيسية الكبرى من قضاياهم، فإنهم لا يكونون مبالغين، خاصة إذا أضيف إلى فشل أوباما في معظم الملفات ذات التماس بين بلاده والعالم الإسلامي، مثل قضايا العراق وأفغانستان. وإذا كانت إدارة أوباما قد حرصت على تراجع دورها في الأحداث اليومية في العراق والتواري قليلاً عن الأنظار، ونقل الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية للساسة للعراقيين، وإذا كانت إدارة أوباما قد أعلنت خطتها للانسحاب من العراق يوم 10 فبراير 2009م، والتي تقضي بسحب القوات الأمريكية القتالية في 31 أغسطس 2010م، على أن يتبقى ما بين 35- 50 ألف جندي يتم انسحابهم بشكل كامل في 2011م، فإنّ الشكوك متزايدة بين العراقيين والعرب والمسلمين على صدق إدارة أوباما في الانسحاب، خاصة وأن الانسحاب لن يكون كاملاً، وإنّما ستكون هناك قواعد عسكرية كبرى تسمح للقوات الأمريكية بالتحرُّك الفوري لنصرة النظام العميل الذي أقاموه متى تعرض للخطر من قوى المقاومة العراقية، التي تريد جلاءً تامًا وانسحابًا ناجزًا لقوات الاحتلال، كما تريد أن يكون النظام السياسي للعراق ناتجًا عن الحوار والتراضي بين العراقيين أنفسهم وبدون تدخل من أحد. وإذا كانت إدارة أوباما تضع ضمن استراتيجيتها في بلاد الرافدين المحتلة ضمان قيام عراق مسالِم ومزدهر، من خلال العمل مع الأممالمتحدة، ودعم العراقيين في تطوير إداراتهم المحلية، والتوسط من أجل تحقيق المصالحة الوطنية، ودعم المؤسسات السياسية، ومواجهة الفساد، وتوفير الخدمات الأساسية وتقديم المساعدات الإنسانية لإعادة المهجرين العراقيين، فإنّ الترجمة الفعلية لهذه الاستراتيجية تعني أن يكون العراق دولة فاشلة منهارة يسودها الفقر والحرب الأهلية. فالعراق المسالم الذي يريدونه هو منزوع الجيش الوطني والذي يأتمر بالأوامر الأمريكية ويتوافق مع الأجندة الصهيونية. وتطوير الإدارة المحلية لن يحدث، لأنهم لو أرادوا ذلك لفعلوه منذ سنوات. أما التوسُّط لتحقيق المصالحة فأمر يثير الضحك، لأن القوم ببساطة واحتلالهم ودعمهم للعملاء هو سبب البلاء، فهم الذين أحدثوا الخصومة والتقاتل وهم الذين وضعوا خطط تقسيم العراق وتهميش السُّنة. أما نكتة محاربة الفساد فسخيفة؛ لأن الفساد والنهب ما حدث إلا تحت أعين الاحتلال الأمريكي ورعايته. أما إعادة المهجرين وتحقيق الاستقرار والازدهار في العراق فلن يحدث في وجود الأمريكان، وموجات التفجير التي ينتج عنها مئات القتلى تؤكّد الحقيقة التي لا يريد القوم أن يستوعبوها وهي أنهم هم السبب الوحيد لعدم استقرار العراق. ثم يرى المسلمون ما يحدث في أفغانستان فيتأكدون أن أوباما في هذا الملف لا يقل عدوانية وتطرفًا عن سلفه بوش الابن؛ فأوباما أعلن قبل أن يبدأ حكمه أن أفغانستان هي المعركة الأساسية التي يجب على بلاده أن تخوضها، ثم أعلن في 27 مارس 2009م عن استراتيجية جديدة لأفغانستانوباكستان تتضمن إرسال 4 آلاف جندي لمهام تدريب الجيش الأفغاني، إلى جانب 17 ألف جندي آخرين، فالرئيس الأمريكي يرى أنه بزيادة قواته سيستطيع أن يحسم الحرب التي فشل سلفه في حسمها، ولذلك فهو يزيد العدد والعتاد والميزانية ويضغط على باكستان ويورطها لكي تلعب دورًا مباشرًا في هذه الحرب من أجل تحقيق هذا الهدف، ولكن يأبى الله إلا أن يخذله وينصر المؤمنين، وتكون هزائم قوات التحالف الغربي في العام الأخير هي الأكبر لدرجة جعلت القادة العسكريين والسياسيين الأوروبيين يعترفون علنًا بالهزيمة ويفكرون في الانسحاب من التحالف المشئوم. فعام 2009م هو العام الأكثر دموية لقوات حلف الأطلنطي منذ بداية الحرب في أكتوبر 2001م؛ فقد بلغ عدد قتلى القوات الأمريكية 311 جنديًا مقابل 155 جنديًا في عام 2008م، وارتفع عدد قتلى القوات البريطانية من 51 جنديًا في عام 2008م إلى 106 خلال هذا العام. وسجلت أعداد قتلى القوات الأجنبية في أفغانستان زيادة حادة من 295 في العام الماضي إلى 506 خلال هذا العام، بنسبة زيادة أكثر من 70%. ينظر المسلمون إلى أوباما وإدارته نظرة ازدراء وكراهية وهم يرون الدم الأفغاني المسلم ينزف باستمرار، فلا يكاد يمرّ أسبوع إلا والطائرات الأمريكية تقصف المدنيين الأفغان في منازلهم وحقولهم ومستشفياتهم ومدارسهم وأفراحهم وجنائزهم، وكأنهم ينتقمون من المجاهدين الذين يوجهون لهم الضربات ولا يستطيعون أن يصلوا إليهم. وتستمر نظرات المسلمين الكارهة لإدارة أوباما وعدوانها، وهم يرون ما يحدث لإخوانهم في باكستان، بعد أن عدلت إدارة أوباما استراتيجيتها لتجعل باكستانوأفغانستان مسرحًا واحدًا لعمليات الأمريكان العسكرية الواحدة، فتحت دعوى مواجهة القاعدة وهزيمتها والتركيز على استهداف معاقل التنظيم وملاذاته الآمنة في الشريط الحدودي بين أفغانستانوباكستان، يتم ارتكاب كل أنواع الجرائم والإبادة والقتل للمسلمين المدنيين الأبرياء. وكيف يتفهم المسلمون توجهات أوباما وهو يجعل من استراتيجيته أن يقتل المسلمون بعضهم بعضًا بتمويل أمريكي وبسلاح أمريكي، بينما الأمريكان يراقبون الموقف عن بُعْد ويكملون أهدافهم بغارات الطائرات. وهكذا، فإنّ العام الذي قضاه أوباما في الحكم لا ينبئ عن ترجمة شعاراته إلى واقع ملموس، فإذا كان البعض يعتقد أن الرجل كان يريد أن ينفذ ما وعد به، إلا إنه يبدو أن التركيبة السياسية للدولة الأمريكية كانت أكبر منه ومنعته من فعل أي شيء إيجابي في ملف العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي، فالمتشددون من "المحافظين الجدد" ومن ذوي النزعة العسكرية العدوانية ومهندسي حربي الشركات والمصالح في أفغانستان والعراق، موجودون بكثافة في مفاصل الإدارة الأمريكية، وهم يدفعون نحو التصعيد وتعقيد الأمور وباستخدام كافة الموارد، وهم ممسكون بالملفات السياسية والمخابراتية والعسكرية. كما أنّ نفوذ الشركات متعددة الجنسيات أكبر وأخطر من أن يوقفه فرد، حتى لو كان الرئيس نفسه، فهذه الشركات أصبحت ذات باع كبير في صناعة الأحداث والحروب والصراعات والأزمات، بغية خلق أسواق مفتوحة غير خاضعة للرقابة الضريبية والنوعية لمنتجاتها المختلفة، وأضحت هذه الشركات مُهَيْمنة على القرار السياسي في الولاياتالمتحدةالأمريكية. المصدر: الإسلام اليوم