التبريرات التي قدمها قيادات للإخوان المسلمين أمس على فضيحة التسوية الغامضة مع آل ساويرس هي أسوأ من الجريمة الأصلية، فالتبريرات تعطي مؤشرًا على أن الصفقة كان جزء أساسي منها سياسيًا، أي اتفاق سياسي بين الإخوان وساويرس يلتزم بموجبه أن يأخذ مسافة بعيدة عن المعارضة لحكم الإخوان مقابل أن نسوي لك أمورك ونعطيك المزيد من الهبات التي كان يعطيها لك مبارك وأكثر منها، يعني في المحصلة: خليك معانا تكسب، أي أن الإخوان تتخذ المال العام وأملاك الدولة أداة لتصفية الحسابات الخاصة مع المعارضين أو شراء ذمم بعضهم إن استطاعوا، وتلك خيانة للأمانة وخيانة للوطن بكل تأكيد، وتمثل رشوة سياسية صريحة لا تختلف في شيء عما كان يفعله المخلوع لشراء ولاءات رجال الأعمال والمعارضين، أضف إلى ذلك أن خبراءً اقتصاديين مثل الدكتور صلاح جودة أشاروا إلى أن الصفقة تشمل شراكة جزئية بين آل ساويرس ورجال أعمال إخوان، وسيتم تدشين مشروع الشراكة الأول في خليج السويس ضمن مشروع تطوير قناة السويس، حيث سيشارك رجال أعمال إخوان ساويرس في بيزنس بالمليارات، وقد منح الإخوان آل ساويرس بالفعل أراضٍ جديدة في تلك المنطقة الحيوية والمهمة للغاية بنصف الثمن، وبدون أي تفسير لذلك، أيضًا هناك تقارير تحدثت عن شراكة جبرية بين الإخوان وبين رجل الأعمال المثير للجدل رامي لكح منح على أثرها الحصانة البرلمانية رغم أنه ممنوع بحكم محكمة من خوض الانتخابات النيابية بجميع أشكالها، والحقيقة أن تلك الطريقة تعني أننا أمام البيع الثاني لمصر، بعد هوجة بيع مصر على يد حسني مبارك وابنه والعصابة التي كانت من حوله، فقط تغيرت الأسماء والوجوه، وتغير النفوذ من لجنة السياسات إلى مكتب الإرشاد، وبقيت مصر العزبة والغنيمة والنهيبة، وهو تطور يفتح الباب أمام انتظار المزيد من المفاجآت في الأسابيع المقبلة حيث سيتحول رموز الفساد في عصر مبارك إلى رموز وطنية مصرية رفيعة، وأعرف جيدًا أن الإخوان أنهوا تسوية ملف رشيد محمد رشيد، ولكن الصفقة غير معروف تفاصيلها حتى الآن كما أن بعض الحرج يمنع من إعلانها بشكل رسمي، كما أن صفقة حسين سالم رجل مبارك الغامض والخطير أوشكت على الانتهاء بعد مساومات مكثفة شهدها مكتب حسن مالك في مصر الجديدة، والمصادر الاقتصادية التي قدرت ثروة حسين سالم بأكثر من عشرة مليارات دولار معظمها خارج مصر، بدأت تتراجع الآن ليسرب الإخوان إلى الصحف والفضائيات أن ثروة الرجل لا تتجاوز المليار وستة من عشرة من المليار دولار، أي أقل من سدس ثروته الحقيقية تقريبًا، ويقضى الاتفاق بأن يتنازل سالم عن بعض ممتلكاته في مصر والخارج مقابل إعادة الاعتبار له ووقف الملاحقة القضائية، أي أنه قد يدفع حوالي ثلاثة أرباع المليار دولار، وحلال عليك يا سالم بقية العشرة مليار، والمهم خليك معانا تكسب، وادفع المعلوم نحميك، بالأمس قال المحامي العام لنيابة الأموال العامة إن هناك لجنة تتشكل لتقييم ممتلكات حسين سالم، وهذه اللجنة من خبراء وزارة العدل وآخرين، والحقيقة أن الرأي العام يحتاج إلى أن يعرف من هم "الآخرون" تحديدًا؟ وما هي الأدوات والوسائل التي يتم بها تقصي ثروة هذا الفاسد الكبير داخل مصر وخارجها؟ وما هي الضمانات التي تعطي الثقة بأن ثروته هي بالفعل كذلك؟ وهل يتم عرض تلك الصفقات أو محاضر الاتفاق على أي جهات رقابية في الدولة؟ وإذا كانت هذه الصفقات الخطيرة والمتوالية الآن تتعلق بمئات المليارات من المال العام، حقوق أجيال من المصريين، ألا تستحق أن يفتح ملفها في مجلس الشورى مثلًا؟ والأخوة الجهابذة الذين علا صوتهم في الفترة الأخيرة مقدمين أنفسهم كمطاردين للفساد والمفسدين، ألا يستحق الأمر أن يسألوا الرئيس عن هذا الذي يحدث وتتم مراجعة الملف كله والقواعد الحاكمة له، ومدى مشروعية تدخل شخصيات إخوانية لا صفة لها دستوريًا في بيع ديون مصر لدى الفاسدين برخص التراب لمجرد إنقاذ سلطة الجماعة من الانهيار وترويض معارضيها؟ أي أن مصر وثروتها وشعبها فداء للجماعة وطموحها ومصالحها، وفي النهاية، سيكون أملنا معقودًا على السلطة الوحيدة التي ما زالت خارج سيطرة حسن مالك وخيرت الشاطر، لتصحح الأمور، وتوقف البيع الثاني لمصر. [email protected]