إن القضاء من كيان الأمة هو مثل الضمير من كيان الإنسان. ورغم أن الضمير هو كيان معنوى ولكنه فى الحقيقة هو الذى يجعل من الإنسان إما كيان راق ومحترم أو يحوله الى شيطان او حتى ادنى من الحيوان. والقضاء هو كيان مادى فى جسد الأمة ولكنه يشكل ضميرها الذى إذا كان حيا, صالحا, وقويا فى الحق فإن هذا من علامات قوة وتحضر هذه الأمة. أما إذا أصاب القضاء الوهن وطاله الفساد وخمدت فيه روح الصلاح فإن هذه الأمة مما لاشك ضعيفة وفاسدة ومصيرها الى زوال. والضمير إذا كان حيا وصالحا, دائما يعود بالإنسان الى جادة الصواب عندما تعتريه فترات من النسيان او اتباع الهوى. وهو الذى يصر على التنبيه والتأنيب عند الإصرار على إرتكاب الأخطاء حتى يعود الإنسان الى رشده. وكذلك القضاء عندما يكون قويا صالحا فهو من يقف بالمرصاد لمختلف مؤسسات الأمة مهما كان موقعها بما يشمله ايضا ألا تحود عن الصواب أو يعم الظلم والفساد. والضمير إذا كان نقيا, وقويا فإنه دائما يسعد بأى انتقادات ويضعها موضع الدراسة الواعية مهما كان مصدرها, لأن كل همه هى محاولة الوصول الى اعلى درجات الصلاح. وكذلك القضاء عندما يكون كيان قويا يرعى الصلاح والإصلاح فى الأمة , فإنه يتلقى اى انتقادات مهما كانت وممن كانت, برحابة صدر وسعة أفق ويمحصها ولا يضيره ان يقر بأخطائه ويصححها لأن همه الأكبر هو أن يكون هو أولا مهد الصلاح حتى يستطيع فرض الإصلاح . وعبقرية الضمير من الإنسان انه نقى ليس له اى ميول لأى هوى وبذلك فإن مؤشره هو الصلاح المجرد, والذى دائما يعمل على وضع الإنسان فى إتجهاهه كلما إنحرف عنه. وكذلك القضاء من الأمة يجب أن يكون متجردا تماما من اى أهواء او ميول حتى يستطيع ان يكون هو ميزان العدل المجرد والقسطاس المستقبم عند الفصل ايما كان المتخاصمين . وإذا أصاب ضمير إنسان العطب وسيطر عليه هوى معين فإنه لم يعد هو الضمير المجرد وإنما أصبح وسواسا يهوى بصاحبه اسيرا لهواه. وكذلك القاضى إذا سيطر عليه ميل معين او إنحاذ الى فريق أو فكر معين فيجب عليه ان يترك القضاء أو إن لم يفعل هو يجب على مؤسسة القضاء أن تقصيه , لأنه لن يستطيع أن يكون عادلا فضلا أن إستمراره قد يهوى بالمؤسسة كلها فى براثن الحيد عن العدل مما سينعكس سلبا على الأمة كلها. إن ضمير الإنسان السوى فى مراجعة مستمرة لضمان تنقيته من اى ميل او هوى او فساد قد يطرأ عليه, وفى تقييم مستمر لضمان التجرد والقوة فى إصلاح النفس وبقائها دوما على الطريق الصحيح. وكذلك القضاء القوى المتجرد يجب أن يكون فى مراجعة مستمرة لهيئته لضمان التخلص من اى عوامل ضعف قد تتسلل اليه قبل ان تتمكن من هيكله, وتنقيته من اى عناصر قد تحيد به عن تجرده, فيبقى متجردا, قويا, يحكم بالقسطاس المستقبم ولا ينحاز الى اى كائن مهما كان إنما إنحيازه الوحيد الى جانب الحق والعدل. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]