ألمح الأنبا يوأنس السكرتير الشخصي للبابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس إلى "عدم عدالة" المحكمة التي نظرت قضية الكشح عام 2000 حين وقعت أعمال عنف دموية بين مسلمين وأقباط بأسيوط أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من الطرفين، لكنه أكد أن الأمر مختلف في أحداث نجع حمادي الأخيرة التي شهدت مقتل ستة أقباط وشرطي مسلم في هجوم عقب أداء قداس عيد الميلاد. وكان الأنبا يؤانس يتحدث للمتظاهرين الأقباط داخل مقر الكاتدرائية بالعباسية يوم الأربعاء الماضي الذين رددوا هتافات منددة بالنظام المصري والرئيس حسني مبارك ووزير الداخلية ومحافظ قنا ملوحين بالخارج، ومنها: "مضطهدين مضطهدين، إحنا إحنا مضطهدين"، "يا حاكمنا بالحديد قتلوا ولادنا في ليلة العيد"، "يا حاكمنا بالمباحث قتلوا ولادنا في الكنائس"، "يا مبارك ساكت ليه، أنت معاهم ولا إيه؟"، "فين العالم يجي يشوف قتل الأقباط على المكشوف"، "ارحل ارحل مش عايزينك حبيب العادلي مش عايزينك دم الشهدا بينا وبينك"، "مدير الأمن مش عايزينك، محافظ قنا مش عاوزينك، ارحل ارحل يله وغور" ، "يا بابا شنودة إحنا معاك خد موقف والشعب وراك"، "أوعى تفكر إني جبان صوتي ها يعلي كمان وكمان". ومع تزايد حدة التظاهرات، خرج الأنبا بسنتي أسقف حلوان والمعصرة، حيث خاطب المتظاهرين الأقباط قائلا لهم: "أتوقع القصاص من الجناة، خاصة أن النائب العام ذهب لمكان الحادث بنفسه"، ثم خرج الأنبا يؤانس السكرتير الشخصي للبابا، وقال لهم "روحوا ناموا تصبحوا على خير"، وقد استجاب الكثيرون إلا أن العشرات رفضوا وظلوا جالسين على الأرض واستأنفوا مظاهراتهم. وخرج الأنبا يؤانس ثانية لمحاولة تهدئة الموقف، وعندما قال له أحد المتظاهرين "في حادث الكشح لم يعاقب أحد"، رد السكرتير الشخصي للبابا قائلا: "ساعة الكشح القضية "متفنيخة" من الأول". وأشار إلى أن قاضيا قبطيا- لم يذكره بالاسم- قال له "أنا لو قاعد هاحكم بكده"، لكن الأنبا يؤانس أكد أن الأمر مختلف في أحداث نجع حمادي ، ولم يتحرك المتظاهرون إلا بحلول منتصف الليل بعد أن نجع سكرتير البابا في إقناعهم بالتوقف عن المظاهرات التي استمرت 8 ساعات قطعتها عظة البابا فقط. وكانت أحداث الكشح الطائفية بمحافظة سوهاج عام 2000 اندلعت إثر مشاجرة بين تاجر مسلم وآخر مسيحي، وحدثت على إثرها اشتباكات ضخمة قتل فيها 19 شخصا وأصيب 33 آخرون من الطرفين على مدى ثلاثة أيام، ووقتها أصدرت الشرطة المصرية أمرا بإلقاء القبض على قس قبطي (القس جبرائيل عبد المسيح) بتهمة التورط بإطلاق النار على سكان قرية الكشح من المسلمين وقد ورد اسمه في قائمة تضم 59 متهما، يشتبه في صلتهم بأعمال العنف، كما قامت السلطات باعتقال أكثر من 30 شخصًا من الطرفين آنذاك. وأثارت التظاهرة الأخيرة للأقباط جدلا بين المفكرين والمثقفين الأقباط، إذ اتهم الكاتب والمفكر جمال أسعد أقباط المهجر باستغلال أحداث نجع حمادي لارتكاب مذابح لتأليب الأقباط في مصر على النظام، فضلاً عن تأليب العالم على مصر، مؤكدًا أن لأقباط المهجر أجندات تهدف لوضع القضية القبطية داخل قانون الحريات وحماية الأقليات الصادر من الكونجرس والمعتمد دوليًا للتدخل في أي لحظة. وفي رأيه، فإن هناك محاولة دائمة لزرع عوامل طائفية في البنية المصرية عبر أجهزة أجنبية، مثلما تم الضغط أكثر من مرة على الحكومة المصرية عن طريق الغرب والأمريكان في هذا الصدد، الأمر الذي يوحي بأن هناك من يريد استغلال المسألة، فهمناك استقواء من الجانب المسيحي المصري بالغرب والأمريكان، في إشارة إلى تقدم جماعات مسيحية في مصر بشكوى إلى الأممالمتحدة بدعوى وجود اضطهاد في مصر للمسيحيين وطالبوا بفرض وصاية دولية رسميًا بدعم المنظمات الصهيونية على مصر. وانتقد الباحث والكاتب الدكتور رفيق حبيب لجوء مندوبي المنظمات القبطية إلى محاولة تدويل القضية، وحذر من أن هذا يضع المشكلة القبطية في إطار دولي، ومعظم المنظمات الغريبة تريد ذلك أي "التدويل"، باعتباره هو السبيل الوحيد للضغط على النظام لفتح باب للتدخل الخارجي وتأكيد فكرة هيمنة نظام دولي على الشئون الداخلية ومنها مصر، كما أنه يضع الأقباط وكأنهم تحت حماية دولية أو غريبة مثل أي أقلية، ما يفتح بابًا آخر لتفكك دول وإعادة رسم المنطقة مثلما حدث بالعراق ولبنان. وتوقف عند محاولة ربط الأقباط بالمنظمات الدولية، و"كأنها تمتلك الحل له في محاولة لإخراج للقضية من النطاق المحلي للدولة، رغم أنها لا تدرك طبيعة الأوضاع داخل مصر كما يغيب عنها أن مظاهرات تحدث داخل حرم الكنيسة، وبالتالي فهي خاضعة لتقاليد الكنيسة واعتباراتها، وبالتالي يختلط الأمر على الهجوم على النظام وقيادة الكنيسة" . وأضاف: الأخطر أن المنظمات المهجرية تريد وضع القضية القبطية داخل الحالة السياسية أو بمعنى آخر "تجعلها مرتبطة بالديمقراطية الإشراف الدولي علي الانتخابات... إلخ لتكون داخل حزمة من المطالب للمؤسسات الغربية التي تريد التدخل في شئون مصر لتحقيق مصالحها الخاصة". في المقابل، شدد إسحاق حنا أحد رموز الأقباط العلمانيين على عدالة المتظاهرين الأقباط فيما يتعلق بتلويحهم برفض التمديد للرئيس مبارك، ووصفها بأنها مطالب عادلة وطبيعية وتعكس تطورًا في وجهات نظر الأقباط نتيجة رد الفعل السلبي للرئيس مبارك تجاه الأحداث الطائفية طيلة مدة حكمه، مشيرا إلى أنه من الطبيعي أن تتغير وجهات النظر عند شرائح كثيرة من الأقباط والشعب المصري وألا يعطوا اهتماما بانتخاب الرئيس مبارك، أو من على شاكلته في الحزب "الوطني". وأبدى حنا تأييده لتدخل المجتمع الدولي لوقف ما وصفها ب "حالة التمييز السائدة" ضد الأقباط، مؤكدا أن استمرار حالة التمييز حوالي ربع قرن وتزايدها يحتاج إلى تدخل المجتمع الدولي لتصحيح الأوضاع، على غرار تدخله في البوسنة والهرسك في التسعينات وفي دارفور وإن كانت الصورة تختلف في مصر. بدوره، رفض نجيب جبرائيل مستشار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الشعارات المناهضة للرئيس مبارك رغم أنه حمله المسئولية عن أحداث نجع حمادي، قائلا: "ليس بيننا وبين الرئيس مبارك أو نجله جمال أي خصومة" . وعن تأييد البابا شنودة للرئيس مبارك، أكد جبرائيل أن البابا يرى أن مبارك هو الأفضل هو ونجله، لأن "له بصيرة" كما أن تلك هي وجهة نظر البابا فقط وليست فرضا على الأقباط وهو لا يسعى إلى فرضها بدليل وجود قيادات قبطية في أحزاب المعارضة، وحذر من تراجع تأييد الأقباط للحزب "الوطني" خاصة في الصعيد بسبب تقاعسه عن رأب الصدع بين المسلمين والأقباط والتخفيف من حدة الاحتقان الطائفي، وقال إنه سيخسر أصوات الأقباط في حال تجاهله لتلك الأحداث. من ناحيته، حمل بولس حنا عضو جبهة الأقباط العلمانيين الرئيس مبارك والدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء ومحافظ قنا المسئولية السياسية عما حدث في نجع حمادي، مطالبا بتشديد الإجراءات الأمنية على الكنائس والأديرة، واعتبر أن دعوات المتظاهرين الأقباط بعدم انتخاب مبارك المطالب ناتجة عن موقف انفعالي للأقباط وليس رؤية سياسية وأنه يرفض فرض الوصايا على أحد بانتخاب شخص بعينه حتى لو جاءت هذه الوصاية من البابا شنودة. في حين عزا الناشط الحقوقي عادل وليم تلك المطالب إلى تعدد الأحداث الطائفية خلال الفترة الأخيرة وعدم إصدار الدولة لأي بيان رسمي لاستنكار تلك الأحداث وعدم القضاء على المناخ الطائفي السلبي، معتبرا أن هذه المطالب والهتافات المنددة بموقف الرئيس مبارك تعكس تنامي الوعي السياسي لدى الأقباط.