أُعلن أمس تنصيب الدكتور محمد بديع مرشدًا عامًا لجماعة "الإخوان المسلمين"، ليكون بذلك ثامن مرشد في تاريخ الجماعة منذ تأسيسها عام 1928، وهو الاختيار الذي جاء بعد مشاورات ونقاشات طويلة إثر جدل استمر لأسابيع، بعد أن عبرت قيادات بالجماعة عن اعتراضها علنًا على الانتخابات الأخيرة لمكتب الإرشاد التي كرست هيمنة "الجناح المحافظ" على الجماعة، وفي ظل الخلافات حول اختيار مرشد من "القطبيين" ليقود الجماعة، رغم ما يعرف عنهم من تبنيهم الأفكار "المتشددة" لسيد قطب. وفي حضور حاشد لمندوبي الصحف ووسائل الإعلام اكتظ بهم مقر الكتلة البرلمانية لنواب "الإخوان" بمنطقة منيل الروضة، بايعت قيادات الجماعة والمرشد المنتهية ولايته وأعضاء مكتب الإرشاد الدكتور محمد بديع (66 عامًا) مرشدًا جديدًا للإخوان في دورة تستمر ست سنوات، وسط الهتافات والتكبير والتهليل من الإخوان الحاضرين. وفور الإعلان عن تسميته مرشدًا، ألقى بديع كلمة استهلها بتوجيه الشكر لسلفه محمد مهدي عاكف مشيدًا بمجهوداته خلال الفترة التي أمضاها على رأس الجماعة، قائلاً إنه قاد السفينة وسط العواصف والأنواء، وتجاوز بها العقبات، وقدَّم نموذجًا فريدًا لكل القادة والمسئولين بالحكومات والهيئات والأحزاب بالوفاء بعهده، وتسليم القيادة بعد فترة واحدة، وأشاد بتضحيات قيادات وأعضاء "الإخوان" الموجودين خلف الأسوار، وطالب ما وصفهم ب "الظالمين" بالعودة لرشدهم وصوابهم. ورد بديع على الذين راهنوا على حدوث انقسامات وانشقاقات في صفوف الجماعة عقب الخلافات العلنية والسجالات التي دارت بين قيادات الجماعة حول انتخابات مكتب الإرشاد واختيار المرشد الثامن، وقال" إن الذين يعملون لربهم ولدينهم ولأوطانهم بإخلاص لا يمكن إلا أن يكونوا صفًّا واحدًا، وإن تنوعت آراؤهم، وتفاوتت بعض اجتهاداتهم". وتابع "نحن جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين"، متوجهًا بما يمكن اعتباره رسائل تكشف عن استراتيجية الجماعة للمرحلة المقبلة، موضحًا أن الجماعة تؤمن بالتدرج في الإصلاح بأسلوب سلمي ونضال دستوري، وأنها ترفض العنف وتدينه بكل أشكاله؛ سواء من جانب الحكومات أو من جانب الأفراد، أو الجماعات أو المؤسسات، مطالبًا نظام الحكم أن يحافظ على الحريات الشخصية والشورى (أو الديمقراطية)، وأكد على ضرورة استمداد الشرعية من الأمة والفصل بين السلطات . وأعلن عزم "الإخوان" المشاركة في الانتخابات العامة، والاستمرار في المطالبة بإصلاح الحكم من خلال العمل البرلماني، وأكد أن الإخوان لم يكونوا في يوم من الأيام خصومًا للأنظمة الحاكمة رغم سياسة التضييق والمصادرة للأموال والأرزاق والاعتقالات المستمرة، مؤكدا الاستمرار في الكشف عن الفساد. وحول العلاقة مع المسيحيين الذين يمثلون أقلية في مصر، وصف مرشد الإخوان المنتخب الأقباط بأنهم "شركاؤنا في الوطن وزملاؤنا في الدفاع عنه، ورفقاؤنا في تنميته والنهوض به، وأن البر بهم والتعاون معهم فريضة إسلامية وشدد على أن المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة في الحقوق والواجبات، مع بقاء المسائل الخاصة (كالأحوال الشخصية) لكل حسب شرعته ومنهاجه". وأكد رفض الإخوان وتنديدهم بكافة أشكال العنف الطائفي الذي يقع بين الحين والآخر"، في إشارة إلى حوادث العنف الطائفية التي تقع على فترات متفاوتة خلال السنوات الأخيرة، دون أن يتطرق إلى موقف الجماعة من ترشح الأقباط لرئاسة الجمهورية، بعد أن أثارت مسودة حزب "الإخوان" الجدل حولها عند طرحها قبل أكثر من عامين، لكونها لا تمنحهم الحق في الترشح لرئاسة الدولة إلى جانب المرأة، استنادًا إلى الشريعة الإسلامية. أما بخصوص المرأة، فأشار بديع إلى وثيقة وضعها الإخوان تضمن كل حقوقها في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ودعا المرأة المسلمة لأن تقوم بدورها العام ولا تغيب عن المجتمع ولا عن القضايا العامة، دون أن يكشف عن موقفه بخصوص مطالب الإصلاحيين داخل الجماعة بتصعيد المرأة لعضوية مكتب الإرشاد. وفيما يتعلق بقوى المعارضة في مصر، أعلن بديع أن الجماعة تفتح يدها لجميع القوى الإسلامية والقومية والوطنية والأحزاب السياسية والنخب الفكرية والثقافية، معلنا رفضها إقصاء أحد أو استثناء أية هيئة أو تهميش أي دور، وقال إن الإخوان يقبلون بتعدد الأحزاب ويؤمنون بتداول السلطة عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة. ولم ينف بديع الخصومة القائمة بين الجماعة وأنظمة الحكم الغربية، بسبب ما اعتبره انحيازًا من جانبها للأنظمة الديكتاتورية الحاكمة وانتهاجها سياسة الكيل بمكيالين، قائلاً: "الإخوان ليسوا في خصومة مع الشعوب الغربية، لكن خصومتنا مع هذه النظم العالمية التي ارتضت لشعوبها الحرية والديمقراطية، واستكثرت ذلك على شعوبنا، واستغلت قوتها المادية لفرض سيطرتها على بلادنا وعلى قرارنا، وزرعت ورعت الكيان الصهيوني ليكون شوكة في جسد الأمة العربية والإسلامية، وتتعامل مع قضايانا العادلة بمكيالين، وتسعى لإلغاء قيمنا وثقافتنا وهويتنا الإسلامية لحساب قيمها الغربية". وخلال المؤتمر الذي أعلن فيه عن تسمية المرشد الجديد، تلا المرشد المنتهية ولايته رسالته الأخيرة إلى "الإخوان" التي جاءت تحت عنوان "سبعة عقود في رحاب الإخوان المسلمين"، مؤكدا حاجة العالم إلى دعوة الإخوان التي اعتبرها دعوة الإنقاذ للأمة. وتوجه عاكف بخطابه للكوادر الإخوانية، قائلا لها: "إنَّ المستقبلَ لجماعتِكم ولدعوتِكم ولدينِكم" وأنَّ الذين اتخذوكم خصومًا من الأنظمةِ المستبدةِ والطُّغَمِ الفاسدةِ لا يقفون على أرضٍ صُلْبةٍ، ولا يمتلكون عناصرَ في مثلِ طُهْرِكم وسلامةِ صدورِكم ونظافةِ أيديكم، ولا يتمتَّعون بأي قبولٍ حقيقيٍّ لدى جماهيرِ الأمة، ولذلك فهم يَحْمُون بعصا الأمنِ كراسيَّهم وفسادَهم، ولا يملكون القدرةَ على مواجهتِكم في مَيْدَانِ الفكرِ والسياسةِ وخدمةِ الأمةِ، ولا حيلةَ لهم غيرُ اعتقالِكم، ومحاولةِ إرباكِ مشروعِكم، والحيلولةِ بينكم وبين جماهيرِ أمتِكم، والاستقواءِ بالأجنبيِّ عليكم وعلى الأمةِ، وبذلِ غايةِ الجُهْدِ في الإيقاعِ بينكم، وتشويهِ جهادِكم .