خلال زيارته للبحرين مع وفد حركة حماس بقيادة خالد مشعل الأسبوع الماضي حدثني القيادي في الحركة محمد نزال عن الضفة. فكثيرون يعرفون ما يجري في غزة من حصار وتجويع ومنع بناء حتى لما هدمته الحرب. كثيرون يشاهدون على شاشات الفضائيات مآسي الحياة الصعبة التي يحياها مليون ونصف المليون انسان في القطاع المحاصر، لكن لا أحد يسمع عن الوضع الأكثر سوءًاً في الضفة التي تعاني من حصار أكثر بشاعة من حصار غزة، وفي ظل تعتيم إعلامي محكم. يصف محمد نزال اللحظة الحاضرة في الضفة المحتلة، التي تم تجزئتها بمئات الحواجز الإسرائيلية الأمنية، فيشير إلى وضع اقتصادي خانق. فالناس تعتمد على الزراعة التي تبور بفعل التجريف الإسرائيلي المتواصل للمزراع والحقول. وحتى تلك التي يتم حصاد انتاجها الزراعي يتم إفساد الحصاد بعرقلة نقلها للأسواق فيتعفن المحصول وهو في شاحنات النقل على حواجز المعابر. كما أن العاملين في أجهزة السلطة الفلسطينية يظلون بدون رواتب لأشهر بسبب الفساد من جهة، وقلة الدعم الدولي لسلطة محمود عباس من جهة أخرى. أما التجار فهم تحت رحمة وابتزاز ضباط الأجهزة الأمنية لسلطة رام الله، وكذلك تحت رحمة الاحتلال. ولهذا تصل معدلات الفقر إلى أكثر من ستين في المئة من سكان الضفة. وهذا بالتالي أوجد حالة من الانهيارات الإجتماعية التي عادة ما تطفو في أوساط الفقر واليأس وانعدام الأمل. والتي هي مقدمة لانهيارات أخلاقية بدأت تطل برأسها على مجتمع الضفة المحافظ خلال السنتين الأخيرتين. أما الوضع الأمني، فالضفة الآن كما يصفها نزال في مرحلة انتداب استعماري أمريكي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فأجهزة أمن السلطة هي لحماية المجموعة المحيطة بعباس وفياض ودحلان. ولا أمن اجتماعي على الاطلاق. والناس يحمون أنفسهم عن طريق العصائب العشائرية والعائلية، كما كان أجدادهم أيام الحكم العثماني. ولا أمن لمن لا سند له. وتعمل الأجهزة الأمنية وفق تراتبية أمنية. إذ تنسق مهامها مع سلطات الاحتلال. والاثنان تحت إمرة ضابط المخابرات الأمريكي كيث دايتون. فدايتون الآن هو المندوب السامي للضفة الغربية. ولهذ ا"ندعو تجار السياسة العرب لزيارة الضفة حينما يتكلمون عن نزاهة الوسيط الأمريكي"، كما قال نزال. ووسط انهيار المسؤولية السياسية لسلطة عباس، صار الوضع يشبه إلى حد كبير وضع بلد تحت حالة طوارئ بوليسية. فشرطة عباس تفتك بالناس تحت أية ذريعة أمنية أو اشتباه. وصار الانتماء لحركة حماس أو حتى التعاطف معها جريمة يساق إليها الأبرياء. والحال يشمل حتى عناصر فتح الوطنيين الذين يجرى التحقيق معهم لضمان ولائهم للسلطة. أما الوضع داخل السجون فيصفه محمد نزال بنفس أوضاع سجون الأنظمة العربية الثورية التي تسحق فيها كرامة الانسان. وتتم عمليات الاعتقال وفق منهجية منظمة خصوصاً ضد معتقلي حركة حماس. وذلك بهدف ضرب البنية التتنظيمية والعسكرية للحركة، ومحاولة عدم تكرار ما حدث في غزة ثانية. ويشرف على إجراء التحقيقات الجنرال الأمريكي كيث دايتون. ولا يتم الإفراج عن أي معتقل إلا بأمر شخصي منه. وتجرى الاعتقالات بشكل تعسفي. إذ تقوم الأجهزة الأمنية بتسليم المعتقل إما للجيش الإسرائيلي أو لسلطة دايتون مباشرة. إذ تقبض السلطة على أكثر من 500 من كوادر وقيادات الحركة. وتتم عمليات التعذيب بحيث تفضي إلى إعاقة المعتقل جسدياً أو نفسياً أو عقلياً. وقد استشهد تحت التعذيب ستة من شهداء الحركة من أبناء الضفة حتى الآن. ومما يؤسف له أن يتم استثمار التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية والدول العربية إلى تخريج ضباط تحقيق فلسطينيين مختصين في فنون التعذيب فقط. ويتوقع نزال قيام انتفاضة شعبية في الضفة في غضون 2010 إذا ما استمرت الأوضاع بهذا السوء. وربما تكون انتفاضة مسلحة ضد القوى الثلاث سلطة عباس، والاحتلال، وسلطة دايتون. كنت أرغب شخصياً لسماع الطرف الفلسطيني الآخر عما آل إليه الوضع في الضفة الغربيةالمحتلة. ففكرت بالاتصال بسفارة فلسطين بالمنامة، لولا علمي بأن العاملين فيها هم من اتباع سلطة انتهت ولايتها رسمياً فتوقفت عن البحث. *أكاديمي بحريني