تفتحت مدارك ووعي جيل كامل من الشباب الإسلامي منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي على ما كانت تصل إليه يده من شرائط الكاسيت التي كانت تحمل صوتا شجيًّا جريئًا في الحق هو صوت الداعية الموفق الشيخ أحمد القطّان؛ وهو صوت يصدع بكلمة الحق على رؤوس الأشهاد؛ لا يداري ولا يجاري؛ يجهر بموقفه بوضوح مهما كلفه ذلك من تضحيات جسام؛ ولعل هذا كان مبعث المخاطرة في البحث عن تلك الأشرطة أو الحرص على سماعها؛ وهي مخاطرة ليس أقلها الاتهام بالتطرف؛ حيث لم تكن موجة الاتهام بالإرهاب قد ظهرت بعد. كانت قلوبنا تخفق مع ذلك الصوت الشجيّ النقيّ صدّاحًا بالحق: اللهم ارزقنا قائدا ربانيا؛ يسمع كلام الله ويسمعنا؛ لا يخضع للبيت الأحمر ولا للبيت الأبيض؛ إنما قلبه معلق بالبيت العتيق. فهو لا يهادن ولا يساير على حساب ما يعتقد أنه الحق؛ نحسبه كذلك والله حسيبه؛ ولا نزكّي على الله أحدا. والشيخ أحمد القطّان من أهم رموز الدعوة الإسلامية؛ وعلم من أعلامها المعاصرين؛ وفارس من فرسان الخطابة والبيان في العالم الإسلامي؛ فهو خطيب مبدع يملك أداء عبقريا متقنا؛ ويملك صوتا مميزًا؛ له قدرة كبيرة على أن يصور دراميا ما ينقله للسامعين من معان كأنهم يرونها رأي العين؛ فهو صاحب ملكة شعرية وله مقدرة بالغة على انتقاء الكلمات المؤثرة ويحرص على جزالة أسلوبه. وهو نموذج حيّ لداعية يدعو إلى الله على علم وبصيرة؛ هشّ بشّ؛ لين سهل؛ بسّام ضحّاك؛ ينتقي أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر؛ كان يشاركنا بعض أنشطة المركز العالمي للوسطية في الكويت فيوزع الطيب على الحضور والمحاضرين ويقول: هذا الطيب والطيب أنتم. كان إذا تكلّم يلامس كلامه شغاف القلوب وهكذا الداعية حينما يكون موصلا حبله بالله؛ متسامحًا: لا يحقد على أحد؛ ولا يذكر أحدا بسوء؛ قلبه يسع الناس جميعا حتى من ينتقده؛ ورؤيته الدعوية تجمع مختلف الاتجاهات الإسلامية؛ ولا يضيع وقته في ذكر مواطن الخلاف؛ ويرى كل العاملين للإسلام سواء؛ ويرى كلا منهم على ثغر من ثغور الإسلام؛ ويرى الإسلام صرحا وكل الدعاة حرّاسا؛ لذلك لا ينكر على أحد سيره ولا طريقته ولا منهجه؛ ويرى الساحة تَسع الجميع؛ والمجال ليس حكرًا على أحد. نصلّي معه منذ سنوات في مسجده الذي أطلق على منبره: منبر الدفاع عن الأقصى؛ وليس مثل الشيخ القطّان من يحمل هَمَّ الأقصى بين جوانحه؛ إذا سمعته يبكي الأقصى تجد أبا ينعى ولده؛ أو أُما ثكلى نُكِبَت فلذة كبدها؛ تجد حبًا صادقا وشعورًا جارفا بالحنين لأولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الحبيب محمد الله صلى الله عليه وسلم؛ ولا تأخذه في الله لومة لائم حين يصف "صمت القبور" الذي يحياه الحكّام العرب؛ أو كما سمّاه هو في خطبته: "الصمت المطبق الذي يتخذه الحكام العرب إزاء القضية الفلسطينية" فأحيا في الناس روحا جهادية كادت أن تموت. والآن يرقد في المستشفى مريضا ذلك الجبل الشامخ والطود الأشم وقلوب المسلمين تدعو له بالشفاء العاجل وأن يمنّ الله عليه بالعافية وتمام العافية. شيخنا الحبيب: إن قلوبنا وقلوب محبيك من مختلف البلدان والجنسيات تلهج بالدعاء لك صباح مساء أن يمنّ الله عليك بالشفاء العاجل ويسربلك برداء العافية ويلبسك ثوب المعافاة لا ينزعه عندك أبدا. شيخنا الحبيب: إن قلوبنا وقلوب محبيك من مختلف البلدان والجنسيات تلهج بالدعاء لك صباح مساء عسى الله أن يشفيك شفاء لا سقم بعده؛ شفاءً تعود بعده سالما غانمًا إلى مسجدك ومنبرك وإلى خطبك ودروسك؛ تروي أرضا عطشى؛ وقلوبا غضة تشتاق إلى كلماتك العِذَاب تخرج رقراقة ندية يُسمع الله بها آذانا صمّا؛ ويفتح بها أعينا عميا؛ وينير بها قلوبا غلفا. لا بأس شيخنا؛ طهور فالله يبتلي المؤمن بالمرض حتى يسير وما عليه خطيئة. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفي الشيخ أحمد القطّان شفاءً لا يغادر سقما.