المنهاج.. والنهج.. والمنهج: هو الطريق الواضح البين.. وقسطاس النظر المستقيم. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما :"لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترككم على طريق ناهجة" أي واضحة بينة مستقيمة .. ولأن هذا الذي صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من القول والفعل والإقرار هو "البيان النبوي للبلاغ القرآني"، والخُلُق والسجايا والإنجازات العملية التي حولت القرآن الكريم إلى "حياة معيشة".. ومنهاج شامل للفرد والأسرة والأمة.. للذات والآخر.. للدين والدولة.. للعبادات والمعاملات.. للثقافة والمدنية والحضارة.. لآداب السلوك وعلم القلوب وفلسفات العقول.. لفقه الكتاب المسطور والوعي بسنن كتاب الله المنظور.. لأن منهاج النبوة هذا كان "البيان النبوي للبلاغ القرآني".. فإن هذا القرآن الكريم قد مثل وما زال يمثل وسيظل يمثل الكتاب الجامع لكل مناهج النظر والعمل للإنسان الراشد والسوي في جميع ميادين الحياة، وفي سائر الأعمال التي تؤدي إلى الرشاد والسعادة في المعاش والمعاد.. إن هذا القرآن الكريم "كنز المنهجية" الذي لا ينفد، وينبوعها المتدفق أبدًا.. وجماع آفاق النظر المنهجي، التي تتسع دائمًا وأبدًا أمام خطرات القلوب ونظرات العقول وتجارب المشاعر والحواس.. وإذا كانت كلمات الله ومخلوقاته لا نهائية، تبعًا للانهائية طلاقة القدرة الإلهية والإبداع الرباني: { ولَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ والْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (لقمان/27).. فإن آيات الله المسطورة، وكلماته التي نزل بها الروح الأمين على قلب الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم هي "مجمع بحار النظر ومناهج الفكر" في كل ميادين الحياة وسائر عوالم الأحياء والموجودات.. وإذا نحن شئنا أن نشير مجرد إشارات إلى نماذج من المناهج التي يمكن للعقل المسلم أن يلمحها، ويستخرجها، ويبلورها، من القرآن الكريم لترسم معالم المنهج الذي يعين ويحدد سبل الرشاد، في المواقف المختلفة، والطرق المتباينة، وفق مقتضيات الأحوال.. وبحسب فقه الواقع المعيش، تحقيقا للمقاصد الثوابت الكبرى التي جاء لها الدين: هداية الإنسان إلى السعادة في الدنيا والآخرة.. إذا نحن شئنا إشارات إلى بعض الآيات القرآنية التي تمثل إضاءات منهجية.. والتي تمثل نماذج تفتح الأبواب لهذا العلم من علوم القرآن الكريم "علم المناهج القرآنية" .. فإننا نشير إلى عدد من النماذج التي تمثلها بعض آيات القرآن الكريم لافتين بها الأنظار إلى "كنز المنهجية الإسلامية" المثبوت في سور هذا الوحي الخاتم القرآن الكريم : فهناك الآيات التي تعلم المسلم منهاج تعدد الخيارات، وعدم الجمود على طريق واحد من الطرق المتعددة التي توصل إلى ذات المقاصد والمصالح الشرعية المعتبرة.. فالمقاصد الشرعية المعتبرة واحدة فذة، لكن المناهج والطرق إلى تحقيقها تتعدد وتختلف بتعدد واختلاف الواقع المعيش.. ووفق الموازنات بين المصالح والمفاسد في هذا الواقع المعيش.. ومن هذه الآيات التي تزكي منهاج التعدد في الخيارات قول الله سبحانه وتعالى.. على لسان سيدنا يعقوب لبنيه: {وقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ واحِدٍ وادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ومَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إنِ الحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ} يوسف: 67 .. فتعدد الخطاب بتعدد المخاطبين، وتنوع مستوياتهم.. وتعدد المواقف بتعدد وتنوع التحديات.. وعدم الجمود على خطاب واحد.. وموقف واحد.. هو منهاج قرآني.. طالما كانت المقاصد واحدة: تحقيق المصالح الشرعية المعتبرة.