في عام 1822 وقبل عقود طويلة من توليه منصب رئيس الولاياتالمتحدة، قام «لنكولن» الشاب بتشكيل مجموعة من الشباب للقتال في حرب بلاك هوك. في تلك الأيام كان الشخص الذي يشكل مجموعة تطوعية للانضمام للجيش غالبا ما يصبح قائد المجموعة وصاحب أعلى درجة فيها، وفي تلك الحالة حصل «لنكولن» على رتبة نقيب، ولكن كانت لديه مشكلة، حيث لم يكن يعرف شيئا عن الجندية، ولم تكن لديه أية خبرة عسكرية سابقة، ولم يكن يفقه شيئا عن التكتيكات الحربية، ولذلك كان يواجه صعوبة حتى في أبسط الإجراءات والأوامر العسكرية، وعلى سبيل المثال في أحد الأيام كان «لنكولن» يقود مسيرة مجموعة من بضع عشرات من الجنود عبر أحد الميادين، وكان بحاجة إلى توجيههم لعبور من بوابة إلى ميدان آخر، ولكنه لم يتمكن من القيام بذلك، يتذكر «لنكولن» هذا الحدث فيما بعد فيقول: «لم أتمكن مطلقا من تذكر الأمر المناسب لجعل المجموعة تصطف طوليا، وأخيرا عندما اقتربنا جدا من البوابة صرخت بهم قائلا: انصراف للمجموعة لمدة دقيقتين على أن تجتمع مرة أخرى على الجانب الآخر من البوابة». ومع مرور الوقت انخفض مستوى أداء وتأثير «لنكولن» على باقي أفراد المجموعة العسكرية، وفي الحين الذي أثبت فيه ضباط آخرون أنفسهم وارتقت رتبهم كان «لنكولن» يسير في الاتجاه المعاكس، لقد بدأ كنقيب، ولكن اللقب والمنصب لم يفيداه كثيرا، وفي نهاية خدمته العسكرية اتخذ «أبراهام لنكولن» قرارا يرى أنه المناسب له، وهو أن يرجع إلى درجة جندي. ومن حسن حظ «لنكولن» -وقدر الولاياتالمتحدة- أنه امتلك قوة الإرادة والشجاعة لاتخاذ مثل هذا القرار التي مكنه من تطوير نفسه رغم ما يتطلبه ذلك من صعاب على النفس، وبالتالي استمر في الترقي وسلك طريق المجد إلى أن أصبح أحد أروع وأعظم رؤساء الولاياتالمتحدة. إن التعلم في أي موقع يكون فيه المرء مطلب من مطالب النجاح، وسبب من أسباب الارتقاء والتطوير، وفي السنوات الأخيرة من القرن العشرين ترك عدد هائل من كبار الرؤساء التنفيذيين في الشركات الأميركية الكبرى مواقعهم في القيادة والتحقوا بصفوف تعلمهم استخدام الكمبيوتر والاستفادة من برامجه في بداية ظهوره قبل أن يعودوا ثانية إلى مواقعهم القيادية، وقد أضافوا ميزة جديدة إلى خبراتهم العلمية. إن النفس بطبيعتها ميالة إلى الركون للدعة والتبلد، وتستصعب التطوير والتعليم كأنما تصعد في الجبل، ولكن لا خيار أمام الشخص الذي يريد النجاح وتحقيق أحلامه في الحياة والسير في طريق المجد من دفع نفسه، ولو بالإكراه نحو طريق التعلم وتطوير الذات، وتحمل ما يصاحب ذلك من مشقة وعنت في سبيل تحسين مهاراته وأفكاره في مراقي الكمال، فإن من لم يصبر على ذل العلم ساعة طائعا سيتجرع ذل الجهل أبد الدهر رغم أنفه، وطريق النجاح بما يحفل من صعوبات ومشاق طريق معروف مر به كل الناجحين والمبدعين فتحملوا مرارته في سبيل تحقيق أحلامهم، وتجرعوا مرارته قبل أن يسجلوا أسماءهم بأحرف من نور في سجل الناجحين، يقول أرسطو: «إن جذور التعليم قد تكون مُرة، ولكن ثمرته دائما حلوة»، ويقول الشاعر: لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر ومن الذكاء أن يحاول الإنسان -وهو في سبيل عزمه على مغالبة نفسه في طريق المجد- أن يمزج صعوباتها ببعض المتعة والحماس. ويقول الفيلسوف الإسباني «جراسيان»: «اجعل أصدقاءك معلميك، وامزج متعة الحوار بفوائد التوجيه». لقد كان عمر بن الخطاب يستشير عبدالله بن عباس ويقدمه في مجالسه على صغر سنه ومعه كبار الصحابة، ومع هذه المكانة العالية، فإن ابن عباس لم يستنكف أن يستمر في طلب العلم من أجل الاستمرار في تطوير نفسه. يقول ابن عباس: (لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم، فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العلم؛ فإنهم اليوم كثير. فقال: واعجباً لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك، وفيهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم؟! فتركت ذا (يعني ترك الأنصاري، ولم يلتفت إلى تثبيطه) وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه، وهو قائل (يعني النوم عند الظهيرة)، فأكره أن أوقظه من القيلولة فأتوسد ردائي على بابه فتسف الريح على من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! ما جاء بك؟! هلا أرسلت إلي فآتيك؟! فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك فأسأله عن الحديث، وقد عاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني، وقد اجتمع الناس حولي يسألونني فكان يقول: هذا الفتى كان أعقل مني).