لم تنجح الاعتداءات المتكررة على قصر الاتحادية في استفزاز الرئيس مرسي وتوريطه في قمع البلطجية بهدف استثمار ذلك إعلاميًا في صناعة ثورة شعبية، لم تنجح الاعتداءات كذلك في استدراج الإسلاميين إلى الشارع لإشعال حرب أهلية تتطلب تدخل الجيش، حينئذ أدركت جبهة الإنقاذ أن عليها تعديل التكتيك أو تطويره، فالرهان بين الرئاسة والجبهة هو رهان على الزمن في الحقيقة، وإجراء الانتخابات البرلمانية يعني استقرار الأوضاع ونهاية الفترة الانتقالية عمليًا. لذا رفضت جبهة الإنقاذ كافة محاولات الجلوس على طاولة المفاوضات لعلمها بأن القبول بأية تسوية يفتح المجال لإجراء الانتخابات وتنحية الجبهة بعيدًا عن المشهد السياسي بعد أن فقدت شعبيتها الضعيفة القائمة على كراهية الإخوان. من جديد استدعاء العسكر للمشهد بتكتيك جديد، استغلال الملفات الساخنة (كقضية مذبحة بورسعيد) في إشعال الوضع في القاهرة وبورسعيد، والتحريض على تحرير توكيلات للفريق السيسي بإدارة شؤون البلاد، مهاجمة المنشآت الحيوية والتصعيد ضد الداخلية وإنهاكها لإرغام الرئيس على الاستعانة بالجيش إلى الشارع كبديل عن الشرطة وتمكين البزة العسكرية تدريجيًا من لعب دور سياسي يفرضه دورها الأمني في تأمين المنشآت والأرواح. لقد أظهر العسكر بذكاء علامات استعدادهم للعب هذا الدور وهو ما أغرى الجبهة باستحضارهم إلى المشهد، فالبيانات التي اعتادت القوات المسلحة على إصدارها منذ تولى الفريق السيسي وزارة الدفاع توحي بأن الجيش لا يزال يتصرف كمؤسسة مستقلة عن الدولة المصرية رغم كون الرئيس مرسي قائدًا أعلى للقوات المسلحة. الأكثر خطورة هو التحول الواضح في موقف القوات المسلحة، فبعد حوالي ثلاثة أسابيع من تصريح مصدر عسكري بأن الجيش ودع السياسة، صرح الفريق السيسي بأن القوات المسلحة تضع أمن الوطن فوق كل اعتبار، وأبلغت القيادة العسكرية الرئيس مرسي بأن الأمن القومي مهدد في أعقاب الفوضى وأعمال التخريب التي وقعت في مدن السويس وبورسعيد وفقًا لما ذكرته وكالة رويترز في 28 فبراير الماضي. وبالجمع بين التصريحين تتجلى رغبة العسكر في العودة إلى دور سياسي تمهيدًا لانقلاب عسكري حينما تسنح الفرصة. إذن ما الذي منع العسكر من فعلها حتى الآن؟ الإجابة تقليدية وتاريخية، فالعسكر لا يعودون إلا كمخلِّصين للشعب من خطر الفوضى، وهذا ما تراهن جبهة الإنقاذ على الوصول إليه قبل الانتخابات، لاسيما بعد الجميل الذي أسدته المحكمة الدستورية للجبهة بتعطيل إقرار قانون الانتخابات، إذن فأية محاولة للانقلاب قبل وصول الفوضى إلى الذروة تعني صدامًا كارثيًا مع الإسلاميين يؤدي إلى خسارة الأطراف كافة. العجيب أن الأصوات التي تطالب الفريق السيسي بالتدخل الآن والتي طالبته الشهر الماضي برعاية حوار مع مرسي هي ذات الأصوات التي اعترضت منذ أشهر على تعيينه وزيرًا للدفاع بحجة أن الرجل عضو بجماعة الإخوان المسلمين، الأعجب أن جبهة الإنقاذ تكافح الداخلية بدعوى أنها تقتل المواطنين، لكنها تغض الطرف عن مقتل الطفل عمر بائع البطاطا الذي اعترف الجيش بقتله بطريق الخطأ، وهو ما يؤكد أننا بصدد كيان نفعي مختل المعايير، فبعد الزج بالشباب للموت في سبيل إسقاط العسكر تطالب الأصوات نفسها شبابًا آخرين بالموت في سبيل إعادة العسكر إلى الحكم. لا شك أن قرار الضبطية القضائية يفوت الفرصة على الطامعين في اعتلاء سدة الحكم، فاضطلاع العسكر وحدهم بمهمة ضبط الأمن سيقابله بالضرورة ثمنًا سياسيًا على الشعب أن يدفعه وهو المصير الذي يضمن القرار تجنبه. لقد باتت عودة العسكر الخطر الأكبر على مستقبل الدولة المصرية، وانتبه لذلك الشيخ حازم صلاح، والدكتور أيمن نور، وبات واجبًا على التيارات الإسلامية أن توجه جهودها خلال الفترة المقبلة لإجهاض المساعي الرامية لإعادة الجيش إلى المشهد.