انفجارٌ ذهب ضحيته أبرياء, طلاب غمرتهم البهجة والسعادة كانوا يتطلعون إلى استدراك موكب الحضارة العالمية, آباء وأبناء حضروا لإظهار مدى سرورهم بالإنجاز الذي حققوه وهم يترنحون ليل نهار في خضمّ المحن والأزمات في بلد مزقته الحروب طوال عشرين سنة. عدوٌّ لدود, تخرج من مدرسة الشر والتدمير جاء ليهدم ما بناه من تخرج من مدرسة الخير والإعمار والبناء, ذاك الذي خرج من بيته مرتديًا أحزمةً ناسفة ثم تسلل بين جموع الأبرياء ليفجِّر نفسَه، تُرى ماذا كان يدور في خُلد هذا الجبان الذي قد طاش وأخطأ عن أهدافه في الدنيا والآخرة؟ ما الذي استفاد من هذا التخريب والإرهاب سوى كراهية الشعب له ولرؤاه وقضاياه. من المؤسف جدًّا أن استهداف الأبرياء أصبح سمة لا تستوحشها شعوبنا ودويًّا لا تستغربه آذاننا وظاهرة لا تستنكرها أعيننا عند مشاهدتها، ولكن دعوني أقدم لكم التحليل المناسب والمحايد في هذه القضية: في بلدٍ مثل الصومال الذي دمرته الحروب الطاحنة وانهمكت عضده الدفاعية, ليس لضعف أبنائه المجاهدين الأقوياء الشجعان, ولكن بسبب تدخل قوى خارجية في شئونها الداخلية, أصبح عرضةً للتخريب من قِبل متسللين يكيدون للوطن وللشعب الصومالي. هذا هو نفس النموذج المتكرر في العراق وفي أفغانستان وفي باكستان, حيث تقضي الانفجارات بشكل روتيني على الأبرياء, وقلما تدعي أية جهة مسئوليتها عن الانفجار، وتهدأ الكارثة بعدها تدريجيًّا بدون أي تحقيق جدِّي وبمجرد تبادل التهم, مما يثير حيرة الشعب وكونه ضحية للمواجهات الدامية. هناك مثل يقول: ما بين كل متخاصمين الرابح هو الثالث. نعم, وجد هذا العدو فرصة لا مثيل لها, من الذي يقوم بتحري الحقائق عن المسئول, من الذي يبحث عن المجرم, ومن الذي يأتي بأدلة بينة ثابتة عن مصدر الفتنة والدمار؟ أوقع العدو الصومال في فخ التدمير والتخريب من خلال إثارة الفتن بينهم حتى يتمكن من التسلل بينهم وتدميرهم من الداخل. نفت حركة الشباب مسئوليتها عن الانفجار وأعلنت براءتها عما وقع ولا يتصور أيضًا أن الحكومة قامت بهذا الإجرام, إذًا من الذي تكون الأضواء مسلطة عليه كأول متهم في هذه القضية؟! لا أعتقد شخصيًّا أن جهة داخلية صومالية كانت معنيَّة في هذه المصيبة, وبدون ذكر اسم وملتزمًا بالقاعدة القانونية: برءاة الذمة حتى يثبت الإدانه, وبأسلوب التحليل الإعلامي السياسي المحايد, دعونا نفحص أيضًا إفرازات الكارثة وتداعياتها السلبية والمستفيد الوحيد منها: تصالح الصومال بينهم وإنشاء دولة صومالية موحدة وقوية يسبب إزعاجًا وتهديدًا لدول مجاورة للصومال, ما زالت تتدخل في شئون الصومال بشكل مباشر وغير مباشر، مخاوف تلك الدول تكمن في وصول الإسلاميين إلى السلطة، حاولت أجهزة تلك الدول على إشعال فتيل الحرب بين الحكومة والمعارضة المسلحة تارة وبين أبناء فصائل المعارضة تارة أخرى، أما الانفجارات السابقة التي ذهب ضحيتها أبرياء وعليها بصمات الشباب قد ادعى الأخير مبررًا استهدافهم فيها مسئولين في الحكومة. وأوضحت المعارضة المسلحة براءتها من تهم موجهة إليها من قتل الأبرياء وأحداث مشينة مرتكبة ضد الشعب الصومالي, مؤكدة أنها بنيَّة الإساءة لسمعتها وتوجيه غضب الشعب إليها. ليس من المستحيل في الوقت الراهن والأوضاع الحالية في الصومال اختراق عدو خارجي من بين صفوف الحكومة أو المعارضة المسلحة, كما تأكد من خلال الانفجارات الأخيرة أن الخاسر فيها هو كل من الحكومة والمعارضة المسلحة والشعب الصومالي بالأحرى, مثلما يحدث في بلاد أخرى مضطربة الأحوال. وما المانع من أن ينتقم العدو من الشعب الصومالي ببرودة دم في حين يتقاتل أبناؤه وبيَّت مكيدة الانفجار، منسقًا مع المفجر مقابل عرض مالي أو انتهاز الانحراف الأخير المفرط دون انتمائه إلى أي حركة معارضة؟! بل ما الذي يجعله أمرًا مستبعدًا أن العملية تمت بتآمر مع جهات في الحكومة التي ربما تواطأت مع العدو الخارجي على حين غفلة من المسئولين الكبار في الحكومة, أو مع أحد الشباب الذين ينساقون وراء عواطف زائفة وأفكار شاذة ضالة من قتل وتدمير وتخريب بدون تنسيق مع مسئولي المعارضة المسلحة؟! ولا تخلو التحليلات من شخص مستأجَر من قِبل العدو ليس له انتماء إلى أية جهة لينفذ العملية, لا سيَّما إذا نظرنا إلى عدم تميز ملامح شعوب شرق إفريقيا بعضهم من بعض. لا أتعشم أن نظل نرفع أصابع الاتهام لبعضنا بعضًا، والمجرم العدو الحقيقي قد دسَّ سمومه فينا ويضحك خلف الكواليس، كان العدو المدبر لهذه الكارثة على يقين تام, كما يحصل عقب معظم الانفجارات, أن التهم ستوجه ضمنًا إلى الشباب مع القاعدة, وعليه لا يجد صعوبة في العبث بأمن البلاد والاختفاء وراء الأخير، وهذا من الفرص الذهبية التي أسدت القاعدة اليوم بطبق من الذهب لعدو الإسلام والمسلمين، نجد صحة هذا القول إذا نظرنا إلى ما يحدث في العالم الإسلامي من مجازر على أيدي خفية وإلقاء اللائمة على شبح ما يسمى بالقاعدة. إن الإنجازات الإنمائية المثمرة لحركة الشباب في الآونة الأخيرة في المحافظات التي تسيطر عليها من جمع أموال الزكوات وتقسيم المعونات وإنشاء مدارس لحفظ القرآن أو تشجيع الحفاظ أمر إيجابي، ولكن يضادُّه السلبية التي التُزمت، والنفور من الحوار والمصالحة ومنح فرص للعدو لتدخله في شئون الصومال وعليه حملهم جميع التهم لمرتكباته وإجرامه. الفتنة التي يحذِّر منها العلماء والمصلحون هي نفسها التي منحت العدو فرصة ليتستر ببنِي جلدتنا ويخرب أمن بلادنا، عندما كان العلماء الأفاضل يصيحون بأعلى أصواتهم رافضين للفتن ومستنكرين للتخريب والعبث بالاستقرار, قوبل بالرفض المقابل والتعنت من قِبل المفرطين في الحماس والعواطف المضلِّلة. اختطف العدو شعارات وأسماء بعض الحركات المسلحة ليرتكب بها جرائم ضد المسلمين ويرمي بها الحركات في حين يسبقهم في الإعلام العالمي وقد كمم أفواههم بالتشريد والضرب. لم يمسّ العدو أدنى أذى أو ضرر من جرَّاء الفتن التي اشتعلت بيننا، ومع كل هذا القاتل والمقتول منا. هذا عين الفتنة التي كان يحذّر منها كل من أراد بهذه الأمة خيرًا وإصلاحًا، وكأنني أستمع اليوم كلمات قالها شيخنا الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي في محاضرة له بعنوان: "فستذكرون ما أقول لكم" تتضمن ما كان سيحدث إذا لم نحافظ على أمر ديننا وننصره ونصلح ما فسد ونطيع الله، ها نحن اليوم تتوالى علينا الفتن واحدة تلو أخرى ويهجم علينا العدو تحت سبعين لواءً, لا تزال تنطفئ واحدة حتى تشتعل أخرى هنا وهناك. بينما صرَّحت حركة الشباب المجاهدين بعدم تضلعهم في هذه الكارثة المأساوية, يجب على الحكومة إجراء تحقيقات فورية للكشف عن الجاني الحقيقي ليتضح للشعب هذا العدو المختبئ فينا. ويجب على المعارضة المسلحة إثبات أنها بريئة وليس لها أي مصلحة في قتل إخوانهم. ينبغي على الحكومة والمعارضة بدء الحوار والتنازل عن المواقف من أجل مصلحة الشعب والوطن, لأنه كلما طال الأمد وأنهكت الحرب قواهم وأوهنتهم, كلما مهَّدوا الطريق للعدو ليتمكن منهم. ولا أستغرب مما قرأت في أحد المواقع الصومالية يومًا أن مصدرًا موثوقًا صوماليًّا لم يصرح باسمه ويعمل لوكالة الاستخبارات الأمريكية المتواجدة في كينيا تحدث عن خطة بعيدة الأجل تنصُّ على زرع مجموعة نصرانية صومالية في الصومال. وتشير الخطة إلى أن التقاتل المستمر بين أبناء الشعب الصومالي عامل مؤيد ومساعد لتنفيذها. هذا الواقع المر والوقت العصيب الذي يمرُّ به الصومال يتطلب ممن لديه أدنى ضمير أو حضور من الحكومة والمعارضة أن يفكروا في مصلحة الشعب والوطن وأن هذا العدو لا يميز بينهم إذا سيطر عليهم جميعًا وتمكَّن منهم، أسأل الله العظيم أن يوفق إخواننا بما فيه الصلاح والسداد، وأن يعيد الأمن والاستقرار إلى بلادنا وبلاد المسلمين جميعًا، وأن يوحد صفوفنا ويوحِّد كلمتنا ويجمع شملنا. اللهم ارحم من قضى نحبه من إخواننا الأبرياء في هذا المصاب الجلل في الصومال وفي جميع بلاد المسلمين. المصدر: الإسلام اليوم