"وجدت أبى في انتظارى عند محطة القطار على غير العادة فقد اعتادت أمى استقبالى دائما، ذهبنا إلى المنزل فوجدت امرأة أخرى بجوار أختى و عرفها لى أبى على أنها أمى الجديدة، وعلمت بعدها أن أمى قد تزوجت من رجل آخر و سافرت معه إلى بلدة أخرى، ذهبت إليها فوجدت أنها تغيرت كثيرا و شعرت بمرارة وحسرة من الوضع الجديد، لقد فقدت الثقة في جميع البشر، و شعرت أنه لا مكان لى بعد الآن بالمنزل، يجب علي أن احمى نفسى بنفسى" كانت هذه الكلمات المؤثرة للسيد "أوكى" الأب السابق لثالث أكبر عصابة "ياكوزا" باليابان يشرح فيها بدايات دوافعه للجريمة، و ياكوزا هو الاسم الذى يطلق على المافيا اليابانية، و يعتبر النشاط الرئيسى لعصابات ياكوزا هو حماية المناطق و المحلات بمقابل مادى و يتنوع نشاط هذه العصابات الغير شرعى من الدعارة و المخدرات و تجارة السلاح، و تضم غالبا المهمشين و الفاشلين اجتماعيا و دراسيا من شباب اليابان. تفيد بعض التقارير بأن أعداد المنتسبين إلى عصابات ياكوزا أكثر من أعداد رجال الشرطة وياكوزا هى أكثر عصابات المافيا تنظيما على مستوى العالم لذلك تواجه الشرطة اليابانية صعوبة شديدة في التعامل مع هذا الوضع و خصوصا أن كثيرا من رجال هذه العصابات لهم أعمال تجارية مقننة كواجهة و منهم من هم أعضاء في منظمات المجتمع المدنى، و العجيب أن هذه العصابات قدمت خدمات كبيرة للمواطنين أوقات الأزمات الكبرى في اليابان، حدث هذا عقب كارثة القنبلة النووية في هيروشيما في نهاية الحرب العالمية الثانية و حدث بشكل أكبر اثناء أزمة ضرب الزلزال للمفاعل النووى بفوكوشيما عام 2011 حيث قامت عصابات المافيا اليابانية بأعمال إغاثة و خدمة للمجتمع اليابانى، و عموما فإن عادة عصابات المافيا فى العالم أن يحاولوا الظهور بمظهر مقبول لدى المجتمع و يتجنبوا الصدام المباشر، حتى أنهم اشاعوا أن نشأة المافيا كانت نتيجة لعمل ثورى حيث تقول الرواية الشائعة إن تاريخ كلمة مافيا يعود إلى القرن الثالث عشر مع الغزو الفرنسي لأراضي صقلية عام 1282م، حيث تشكلت في هذه الجزيرة منظمة سرية ثورية لمكافحة الغزاة الفرنسيين كان شعارها : Morte Alla Francia Italia Anelia ويعني (موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا) فجاءت كلمة (مافيا MAFIA)، هم يريدون أن يلصقوا بالمافيا بدايات طيبة السمعة حتى يحصلوا على بعض التعاطف من المجتمع. و لكن الأمر في اليابان يختلف، فخدمة المافيا اليابانية للمجتمع وقت الأزمات لا ينكرها أحد، و هى ليست تلفيقات و ادعاءات تاريخية، و ربما يعود هذا إلى طبيعة التربية و التعليم في اليابان الذى يعد ثروة اليابان الأهم، فالطفل اليابانى يعتاد منذ الصغر على خدمة المجتمع، ففى مدرسته ينظف مراحيض مدرسته بيديه، و في البيت يرى أبويه يشتركان في نظافة الشوارع المحيطة بالبيت بشكل دورى، لقد ترسخ مفهوم خدمة المجتمع عند المواطن اليابانى بما لا يستطيع أن يزحزحه حتى انتماؤه إلى أعتى العصابات الإجرامية في العالم، فلم تفكر تلك العصابات يوما أن تواجه المصالح الحكومية بالمولوتوف مثلا، أو أن تقطع طريقا أو خطا للسكك الحديدية، ولا أن تحرق اطارات السيارات في صراعها مع الشرطة، و لا أن تضر المواطن العادى بالمجتمع طالما لا يتعرض لها، إنها أحد القواعد الأساسية و ميثاق الشرف لأعضاء المافيا اليابانية. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]