ها هي أمواج الغضب المستعر تعمي الجميع وتأخذ في تلاطمها صوت كل عاقل مخلص أو عروبي أصيل أو إسلامي رزين وفي أقل من شهر ينسي عموم شعبين شقيقين كل تاريخ الأخوة والمحبة والتواصل ، ووفق بعض الغوغاء تاريخ اخوة مدّعاة ومحبة غائبة وتواصل صوري ، والذي إن ثبت فيكفي زعم زاعميه أنه عافانا من عبء ما نعانيه اليوم ومغبة ما قد يلاقينا غدا ! خوفي علي نفسي وإخواني وابنتي ووليدي من مجريات هذا الزمان الذي تكور فيه الساسة وتسيس فيها الكرويون تماما مثلما تفيقه فيه الراقصون وتراقص فيه المتفيقهون واختلط كل حابل بنابل وكل حق بباطل فألبس الذئب ثوب الناصحين وقاد العميان مسيرة المغيبين ! أسفي علي اسم العروبة والإسلام الذي صار من حق البعض اليوم أن يكفر بكل ما يمت لهما بصلة ويعلن ذلك بفخر وشموخ في أكبر الفضائيات وأعرق الصحف وينادي بشعار نفسي نفسي ، ومن حيث يعلم أو لا يعلم يقود من خلفه شبابا متعصبا يفتقد للكثير من الخبرة والوعي والمسئولية ويدفعهم دفعا إن استمرت هذه المهزلة الحمقاء لحمل الخناجر بدلا من المعاول والمتفجرات بدلا من الأقلام وليتهم سيرفعونها في وجه من دنسوا القرآن الكريم وكفروا بتعاليم المسيح السمحة أو حتي في وجه المفسدين الذين نهبوا خير البلاد وأرزاق العباد فصاروا مستثمرين كبارا ومسئولين عظاما بينما حقيقتهم التي غابت كما غاب كثير من الحقائق عن وعي من غاب وعيهم أنهم جماعة لصوص وتجار نفاق . الإخوة الأعداء !! هكذا صار حال مصر والجزائر بعد مباراة لكرة القدم أقسم أن أعداء الأمة تابعوها بشغف أكبر وتلهف أشد لتبعاتها . وهكذا سيكون حال جميع الإخوة قريبا ، وسيأكل أسودها أبيضها وأحمرها أصفرها حتي لا يكون علي العشب إلا النحيل الذي سيفتك به من استحل دماءنا واغتصب نساءنا وانتهك حرماتنا واستهان بنا فسمانا بالأمميين ويجند شياطين الأرض من إنس وجان ليعصفوا بحاضرنا فيموت مستقبلنا . هكذا سيكون الحال إن استمرت المهزلة التي أبيت إلا كتابة هذه السطور وهي في أوجهها لأبرئ ساحتي أمام الله ولأعلن له وحده جل وعلا أننا لا نريد من عبد صيتا أو سمعة أو شهرة علي حساب إخوة في الدين ، ولن نجاري الموجة الهادرة هدأت أم لم تهدأ فإننا لنفضل أن تغرقنا علي أن نغرق في دماء الأحبة وإن تجاوزوا في حقنا . كنت في استاد القاهرة وملأ قلبي سعادة غامرة حين فاز المنتخب المصري علي شقيقه الجزائري يوم الرابع عشر من نوفمبر وانتظرت ككل مصري وطني فوزا جديدا لمنتخب الساجدين غير أن الله أراد غير ذلك وسبحانه لا يأتي بشر أبدا ، وحزنت شديد الحزن غير أني نسيت أحزاني في ظل هذه الحملة الغريبة والمريبة التي لم أكن لألوم علي أهلها إن هم حرصوا علي المهنية فعرضوا الأحداث الخارجة التي وقعت قبل وأثناء وبعد المباراة دون تسييسها والمطالبة بقطع العلاقات ودق طبول الحرب ضمنيا عبر حديث قاس وليس بصريح القول . نسيت أحزاني لينال مني حزن أكبر من جرّاء ما أري وأسمع ، وخيم الذهول عليّ لساعات طوال وأنا أري قمم الإعلام والصحافة يتراجعون عن حملاتهم الوردية وقد ألمس لهم عذرا فالموج عال غير أني لا أري لهم عذرا في انقلابهم للنقيض وقد كان يكفيهم الاعتذار عن ورودهم التي سبق ورفعوها ! هذه التبعات الخطيرة لمباراة كرة قدم أكدت لي أن النخب لا تقود ، وأعني بالنخب هنا تلك النخب التي لا تفقد صوابها ولا تكفر بمبادئها في أي وقت مهما كان عصيبا ، وهذه الحالة تنطبق علي الباحث الكبير في الدراسات الاستراتيجية بالاهرام الدكتور عمرو الشوبكي والدكتور سعيد اللاوندي اللذان طالبا بالتعقل وعدم التعميم والهدوء ولكن للأسف مثل هذا الكلام اليوم وفي هذه الساعات أخشي أنه صار بمثابة خيانة لمصر عند تجار النفاق والمحبون الحمقي . ووالله ما مصر أحب لهم منا بل إن المتاجرين باسم مصر اليوم منهم الكثيرون الذين حصدوا من خلفها شهرة و وظيفة و منصبا و مصالحا أما نحن فحين نقول أننا نحب مصر بل ونعشق ترابها فليس ثمة ثمن سيدفع لنا لأننا لا ننتظر الدافعين ولا نجالسهم . إذن يبقي النداء لأهل العقل أن أفيقوا ولا تسقطوا في دائرة الانتقام التي يديرها ثلة الحمقي من كرويين تسيسوا ومن ساسة تكوروا لا لشئ غير رغبتهم في أن يحققوا بالخسارة ما كان ينتظرهم من وراء فوز عزّ تحقيقه والحمد لله من قبل ومن بعد . أفيقوا ولا تتبعوا خطوات من يريدون أن ينسونا عدونا الحقيقي في لحظة غضب ليصوروا لنا الأخ المخطئ بالعدو المبين . وعلي مصر التي نزعم جميعا بريادتها وقيادتها وزعامتها وحنكتها وحسن رعايتها لأشقائها أن تثبت اليوم أكثر من أي يوم آخر أنها ستخفض جناحها لكل مسلم تجاوز وستحصل علي حقها بالقانون الذي شرعه الله ليحمي الأرواح ويحقن الدماء . وأن قيادة مصر لن تنساق خلف مهووسين صارت لهم كلمة تسمع في لحظة غيبت فيها سحابة الصدمة عقول الكثيرين ، وسرعان ما ستنقشع الغمامة ولكن أخشي ما أخشاه أن أثر اتباع المهووسين سيكون من المستحيل انقشاعه ولا بعد قرون . ليس أمام مصر الحضارة والحاضنة الكبري غير هذا السبيل ، أن تقيم الحجة علي المخطئ وتحصل علي حقها بالقانون الذي يحفظ لدولة شقيقة كالجزائر سيادتها ولقامة كبيرة كمصر هيبتها والله المستعان . صحافي وباحث مصري