ما زال الناصحون يبعثون برسائلهم إلى رئيس الجمهورية وإلى جماعته وإلى حزب الحرية والعدالة وآخرهم صديقهم أيمن نور أمس بضرورة عرض تعديلات قانون الانتخابات على المحكمة الدستورية تفاديًا لحكم قد يكون مؤكدًا بإبطال المجلس النيابي المقبل، في الوقت الذي يصم أصحاب القرار أذانهم عن تلك النصائح ويركبهم الغرور بأن كل شيء تمام ولن تجرؤ المحكمة الدستورية على حل البرلمان ولا على إبطال القانون، وبنفس العنجهية التي مارسها قانونيون من قيادات الجماعة أيام البرلمان السابق المنحل والذين ملأوا الفضائيات سخرية من القول بعدم دستورية قانون الانتخابات السابق، قبل أن يفيقوا على الكارثة بقرار الدستورية حل البرلمان وضياع مليارات الجنيهات والجهود والطاقات من المال العام والخاص هدرًا، ولولا أن الرئيس أصدر إعلانًا دستوريًا مثيرًا للجدل حمى به مجلس الشورى الحالي من البطلان الحتمي لكان هو الآخر الآن في التراب، لن نمل من الحديث عن خطورة هذه المسألة، ولن نمل من تسجيل تلك الواقعة من الآن للتاريخ وللقضاء أيضًا، لأن من يعاند الآن ويستكبر على القانون وعلى المؤسسات عليه أن يدفع الثمن كاملًا إذًا بأن خطؤه وتوريطه للوطن كله في مأساة جديدة وهدر جديد للمال العام في وقت يعاني فيه الشعب من سوء حالته المعيشية لنقص الأموال، هناك الآن من يغري الرئيس وحزبه بأن المحكمة الدستورية لن تملك النظر في قانون الانتخابات بعد صدوره لأن الدستور يمنعها من الولاية اللاحقة على القوانين، وبعضهم تكلم بغطرسة مثيرة للشفقة عن أنه حتى لو لم يلتزم مجلس الشورى بأي حكم للمحكمة الدستورية أو ملاحظاتها بالكامل فلن يكون من حقها النظر في القانون بعد صدوره لأن الدستور يمنعها من ذلك، فهؤلاء يصورون للرأي العام زورًا ودجلًا أن المحكمة الدستورية هي أشبه بقناة فضائية تناقش أبعادًا قانونية في بعض القوانين واللوائح من باب الثقافة العامة دون أن يكون لها أي تأثير أو حسم في مشروعية تلك القوانين، ويمكن أن تسمع كلامها وأحكامها من أذنك اليمني فتخرجه من أذنك اليسرى بسهولة، وأن الدستور وضع المحكمة ودورها من باب جبران الخاطر لبعض قضاتها وفيما يشبه بدل بطالة لهم، لأنهم في المحصلة العملية بدون عمل حقيقي ولا قيمة حقيقية، وهم في أحسن الأحوال أقرب لمستشارين لوزير العدل، هذا الذي يقال الآن استهزاء بالعقل قبل القانون وتهريج سياسي، المحكمة الدستورية هي المعنية دستوريًا بالفصل في مطابقة القوانين للدستور من عدمه، وهي المعنية أيضًا بفهم مقتضى نص الدستور نفسه وتطبيقه، وليس كل اثنين على مقهى أو في استديو قناة تليفزيونية يصبحون مراجع لتفسير الدستور وتحديد اختصاصات المحكمة الدستورية، وأي طعن يقدم إلى المحكمة الإدارية على دستورية قانون لا تملك إزاءه سوى إحالته للدستورية صاحبة الاختصاص الشرعي والحصري، والمحكمة الدستورية ستقضي حتمًا بمدى التزام الجهة التي أصدرت القانون بأحكامها السابقة من عدمه، فإن قضت المحكمة أن الجهة وهي هنا مجلس الشورى لم تلتزم بحكمها الذي أصدرته قبل صدور القانون ووضحت فيه عدم دستورية بعض النصوص ولم تعمل بمقتضى ذلك الحكم فسوف يترتب على ذلك بالبديهة أنه قانون غير دستوري وبالتالي قانون غير شرعي وبالتالي كل ما ترتب عليه من أعمال هي غير شرعية وبالتالي فالعملية الانتخابية برمتها باطلة وبالتالي فالبرلمان الجديد باطل وهو والعدم سواء، وإذا لم يصدر رئيس الجمهورية قراره بحل البرلمان الباطل وغير الشرعي بناءً على حكم المحكمة فسيبدو حتميًا في صورة المتستر على الباطل والحامي للبلطجة السياسية والمعتدي على الشرعية والمهدر لدولة المؤسسات، وعلى الرئيس مرسي أن يتدارك الأمر عاجلًا قبل توريط الوطن كله في كارثة جديدة، الثمن الآن بسيط للغاية، تأجيل الانتخابات عدة أسابيع فقط وإحالة القانون إلى المحكمة الدستورية لإزالة أي لبس والاطمئنان إلى سلامة القانون وإن قضت بتعديل أشياء منه نعدله بالتزام كامل، أما ركوب الرأس والانصياع إلى العنجهية المستخفة بالخطر ومآلات الأمور فسوف يورط الرئيس في احتمالات جدية لأزمة خطيرة قد تكون قاصمة الظهر والكرسي.. اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.