تشهد الساحة المصرية منذ أشهر محاولات فكرية متعددة لمعالجة حالة الإستعصاء في موقف الحكومة والتمسك بها من جانب النظام رغم أنها غير موجودة أصلاً في جميع الساحات حسبما تؤكد الدراسات والملاحظات والمقالات والاجتهادات، ومن الواضح أن كافة الاجتهادات الفكرية قد اتجهت إلي البحث عن بدائل للحكومة لمواجهة النوازل التي تلم بالمجتمع فيستنجد بالحكومة ولا يري منها سوي وجه الجابي وغير المكترث كما تظهر أحياناً وجهاً قبيحاً عندما تتملص من مسئولياتها وتمارس الخداع وعدم الأمانة في المصارحة بالأحوال، فهي تتسم بالعجز وعدم الأمانة في وقت واحد، وقد تقدم كثيرون بمبادرات متماثلة كان آخرها مبادرة الأستاذ محمد حسنين هيكل وهي قائمة علي ما سبقها، وقد كان لي شرف تقديم إحدي هذه المبادرات والتي تداولها الإعلام ثم خبت وانطفئت جدوتها أمام صمود الحكومة والحزب الوطني في صد كل محاولة لإنقاذ مصر من سؤاتهما، فلا هم قادرون علي إنقاذها ولا هم يسمحون بأن ينقذها غيرهم بعد أن جعلوا مصر كلها للحزب الوطني دون سائر المصريين الذين لا مكان لهم في دولة الحزب وبعد أن انقلب الحزب من حزب في دولة إلي أن أصبحت الدولة هي الحزب. وكنت قد اقترحت أن يتم تشكيل لجنة من حكماء هذا الوطن الذين يتناقص عددهم كل يوم بالوفاة أو اليأس إزاء تصاعد الغوغاء والهيستيريا التي تحتاج للجمها إلي قبيلة كاملة من الحكماء، واقترحت أن تقدم هذه اللجنة والتي تضم شخصيات يراعي في اختيارها معايير صارمة، أهمها التجرد من أي مصلحة شخصية، عدداً من الشخصيات التي يمكن للرئيس مبارك أن يختار من بينها لتشكيل حكومة للإنقاذ الوطني مدتها عام ومهمتها وضع لبنات نظام سياسي قادر علي إعادة صياغة المجتمع والدولة بدستور جديد وانتخابات حرة مؤذناً بعصر جديد للمواطن المصري الذي تهدده عوامل الانقراض والاختفاء، والحق أن الأسباب التي أوردتها في هذه المبادرة للإسراع بتنفيذ شقيها اللجنة والحكومة قد تزايدت إزاء تفاقم المخاطر الاجتماعية والسياسية والصحية والثقافية وبينها تغير المناخ وآثاره وتواثب مختلف الأوبئة وموجات الفساد التي تأخذ بخناق المواطن في مصر بينما القلة المرتبطة بالنظام هي التي ترفل في خير الوطن وتحتكر ثروته وصحته بعد أن تكالبت كل عوامل الموت والفناء علي باقي المصريين، ولا أظن أن حكومة بهذا العجز وبهذا القدر من تشويه الحقائق وتزوير الواقع يمكن أن تتصدي لمشاكل مصر المتفاقمة، ولذلك فإن الظرف لم يعد يحتمل ترف الاستماع إلي تصريحات بلهاء بينما ينشب الواقع أظافره في عنق المواطن كما أن الواقع لم يعد يحتمل أن تطلق الحكومة وعوداً زائفة وأرقاماً مزورة لتصوير حالة تناقض واقع المجتمع المصري، وتستخف بكل مثقفيه والطبقة المستنيرة فيه كما تحاول الاستخفاف بعقول البسطاء. بل إن بعض القيادات في الحزب الوطني وإعلامه قد إنبرو للدفاع عن الدستور وكأن البحث عن مخارج بعد أن أفسدوا الدستور وسدروا في مسيرة التدمير هو الخطيئة وليست خطيئة الذين تولو تدمير المؤسسات والدستور وأفسدوا الحياة السياسية، وسوف تقرأ الأجيال القادمة هذه الكلمات حتي تعلم أننا لم نسكت ولم نفرط في إستنقاذ مصر من أنيابهم. في ضوء ما تقدم فإنني أجدد الدعوة مرة أخري إلي تشكيل حكومة للإنقاذ الوطني بمساعدة لجنة الحكماء التي لا يهم عدد أعضائها وإنما المهم أن يكونوا رموزاً ممن يتمتعون بصفحة بيضاء ويحرصون علي الإلتزام ببصلة تنسجم مع المصالح الحقيقية لهذا الوطن، بل إن الحاجة إليهم تزداد إلحاحاً والمجتمع يحتاج إليهم للإستنارة بمنارتهم خاصة وأننا مقبلون علي انتخابات تشريعية ورئاسية وسوف يقفز إلي الساحة المغامرون والمتاجرون والعملاء وأن المجتمع يحتاج إلي من يساعده في فرز الأسماء، ومن ثم تصبح مهمة لجنة الحكماء عظيمة الخطر وسوف نتابع في الأيام القادمة العمل علي تنفيذ هذه المبادرة أملين ألا يتخلي المفكرون والمثقفون الملتزمون عن دورهم في دعمها.