لم نكن أمهات جيدات لكم، فقد تعلمنا وتخرجنا من الجامعات واستغرقنا في بطون الكتب وكنا نظن أنها إضافة هامة تجعلنا نحمل لقب ( سوبر أم ) ولكن الحقيقة أن ذلك التعليم المبتور والشكلي أبعدنا عن فطرتنا وخصم كثيرًا من الحكمة الطبيعية للأم وجفف ذلك بعضًا من منابع الحب والانتماء والتربية لديكم. إحنا آسفين يا شباب، فقد قصرت المناهج التربوية في تزويدكم بالأسس الحقيقية للعلم والانفتاح العقلي وعلمتكم المدارس بالقهر والتلقين، كيف تتقنون فنون الغش للحصول على شهادات زائفة وبطرق ملتوية. إحنا آسفين يا شباب، فقد ارتكب الإعلام في حقكم جرائم كثيرة بداية من إعلاء نموذج البلطجي وجعله مثلًا أعلى وبطلًا مطلقًا نحبه في الأفلام لخفة ظله وشجاعته ونقدر دوافعه، وندعو ألا يتمكن ضابط الشرطة السخيف من الإيقاع به، ووصولًا إلى مهرجان تفكيك القيم وتشويه القدوة وترويج العنف الذي تتبارى فيه الفضائيات بعد الثورة، في تلك البرامج التي كرهها الناس جميعًا ولم يعد يتابعها أحد. إحنا آسفين يا شباب، ولكن ما زال هناك أمل، فأنتم أمل الأمة وأملنا الوحيد ومن الممكن أن نبدأ من جديد، البداية حلم وطموح وخطوة نحو المعرفة سلاح العصر الحديث ولكن مع التركيز، احذر الفيضان المعلوماتي ولا تستسلم له حتى لا يغرقك وتخرج منه بقشور المعلومات ركز فقط فيما ينفعك وما يستهويك، فأنت لست مطالبًا بأن تكون موسوعة علمية كل المطلوب أن تجيد ما يلزمك في عملك وحياتك، كلما زادت عدد مرات قولك لا أعرف ولا يلزمني أن أعرف شيئًا عن هذا الموضوع زاد احترام الناس لك، لأنك فعلًا حددت طريقك وتريد أن تمضي فيه وتنطلق. إحنا آسفين يا شباب، فحتى الحب والزواج صار أمرًا مربكًا لكم خاصة إذا أضفنا العامل الاقتصادي الصعب، من حقكم أن تشعروا بالحب وتعيشوا به، بل ومن واجبكم أيضًا فالحب مرادف الشباب، تخلصوا من كل العقبات والأوهام التي وضعت في طريقكم، فقد انتشر بين الشباب "خشية الحب" لاختلاط مفاهيمه واضطرابها. الحب هو الخروج من سجن الذات، تعيش حياتك وأنت ترى الدنيا بعينك ورأيك وميراثك وحدك حتى تعثر على نصفك الآخر وترتبط به وقتها تنفتح على ذات جديدة مختلفة، كأنك عشت عمرًا في بيت يرى ضفة النهر والحقول ثم دخلت بيتًا على الضفة الأخرى تطل نافذته على جبال ووديان وحدائق لم ترها قط، لا تجادله وتتشبث بسحبه لبيتك المعتاد ورأيك التقليدي ولكن افتح البيتين معًا وشاهد تألق الحياة عبر نوافذهما معًا. الحب هو جزء من رحلة البحث عن الحقيقة والتميز، ولذلك ابتعدوا عن السيناريوهات الجاهزة والقوالب النمطية، فهي علاقة خاصة تختلف باختلاف الأشخاص تمامًا مثل بصمات اليد، عندما اقرأ على فيس بوك مواقف محددة يروج لها على أنها مرادف للحب يصيبني الأسى إلى هذه الدرجة صار كل شيء سابق التجهيز مثل ماركات الملابس والسيارات، ليس حقيقي أن زوجك يجب أن يدخل إليك في المطبخ ليقول "إن هذه اليد التي تعبت من أجلي أقدرها"، فقد لا يفعلها قط وقد تكون لديه وسائل أخرى لإظهار مشاعره غير تلك الكلمات، وليس ضروري أن تكوني جميلة جدًا متزينة ليحبك زوجك، والدليل أن أغلب فاتنات الشاشة غير موفقات في حياتهن الخاصة، بينما تسكن السعادة قلب وبيت كثير من النساء البسيطة في كل شيء. لا ترسم سيناريوهات مسبقة ولا تصدق الأفلام التجارية فلو كانت حقيقية لنفعت من يمثلونها، ولتكن البداية انفتاحًا على الزوج بلا قيود ولا حساسية ثم بناء سيناريو خاص وقصة حب لم يشهدها غيركما بمفردات حياتكما معًا. إن الزواج والحب آية معجزة تكتمل بها حياتك بعد أن كنت ترى بعينك وتسمع بأذنك وتملك يدًا وقدمًا اكتملت بعد الزواج بنصفك الآخر وصرت ترى بعينين وتسير على قدمين وتعمل بكلتا يديك وإن ظل لك لسان واحد تنطق به معبرًا عنكما معًا وقلبًا واحدًا ينبض بالمعنى العميق للحب.