ما حدث بين مصر والجزائر معروف وكتب عنه الكثير بعضها يحقن دماء العرب ويلملم جراحهم ويوجههم إلي عدو واحد اغتصب الأرض وهتك العرض ولايزال في فلسطين والعراق والشارع العربي يغلي، وبعضها الثاني والثالث ساند الموقف المصري والجزائري. تطوع البعض بالتفنن في ألوان الوطنية وكأن تصعيد الصراع مع الطرف الآخر من فروض الوطنية. غير أن الجميع أجمع علي عدد من القواسم المشتركة في مقدمتها أن ما حدث يدعو للرثاء ويدل علي هشاشة العلاقات العربية الرسمية والشعبية. الثاني أن كل التصفيات تمت في كل القارات بكل هدوء، وأنه لو كانت التصفية بين مصر ودولة أخري بدل الجزائر في هذه الظروف، فإن التقدير يفترق، إذ يري البعض أن الحشد والشحن المصري له دوافع تتعلق بالرغبة في استدعاء وطنية مزيفة وخلق جبهة لمعركة تنصرف إليها الآهات المكبوتة بسبب تردي الأوضاع في مصر، بينما يري البعض الآخر أن الجزائريين بطبعهم مشاغبون، وأن ما حدث كان سيحدث في أي دولة عربية أخري غير مصر، وهذا في نظري غير متصور، فالمكان والزمان والنفس الحكومي المصري وغليان المصريين بسبب أوضاعهم والحاجة إلي أي مناسبة للحشد والفرح لا يختلف عليه المصريون، ولكن الشحن كان أعلي بكثير مما تحتاج إليه المناسبة، تماماً كالمخدر الذي تفوق قوته مئات المرات اللازمة لعملية جراحية بسيطة، فصارت معركة حقيقية تقدمها الرسميون المصريون حتي أن التصعيد في مصر يأتي من أعلي مستوي، بينما لا يحدث ذلك علي الجانب الآخر. نحن إذن أمام انحدار للغرائز وانطلاق من المكامن ولكن في الاتجاه الخاطيء من الطرفين. فمصر هي قلب العالم العربي، وأن اتهامها بالتخلي عن قضايا أمتها لأسباب كثيرة من بينها تدهور أحوالها رأته مصر بنفسها في عيون بقية العرب، إبان هذه الملحمة، كما أن تأييد البعض للجزائر أو لمصر في المباراة اتخذ تفسيراً سياسياً فاقعاً غذته أجهزة الإعلام في البلدين وتصريحات المسئولين في مصر. والآن اشتعلت النار في علاقات البلدين، وتكاد تطال دولاً أخري منها السودان، ويتفرج الآخرون علي ما وصل إليه الانهيار والتصعيد، بل إن طوائف في مصر تري أنه لابد من استعادة هيبة مصر والمصريين، ولهذا حديث آخر، لأن الأنزلاق وراء هذه الدعوات لن يفيد أحداً في مصر عكس ما يتصور البعض، والمطلوب إطفاء الحريق فكيف يتم ذلك، وكيف يقف المفكرون في كل العالم العربي ضد استمرار الحريق الذي تغذيه أوساط مشبوهة؟ أرجو أن يسارع خادم الحرمين الشريفين إلي دعوة الشقيقين بوتفليقة ومبارك إلي رحاب مكةالمكرمة بأسرع ما يمكن رغم ازدحام موسم الحج، أو في الرياض أو في مقر الجامعة العربية بالقاهرة لتصفية الموقف والاتفاق علي تشكيل لجنة تحقيق من دول عربية حريصة علي الصالح العربي العام لاستعراض ملف الأحداث، ولا يجد الطرف المخطيء غضاضة في أن يصدع بالحق فيعتذر لصاحبه ولشعبه ويلقي المخطيء من الأفراد مهما علت مراتبهم جزاءه الرادع، فالولوغ في الدم العربي جريمة وعار ولم يكن يوماً بطولة أو شرف، وقد تقرر القمة المصغرة تشكيل فريق من المشجعين في كل الدول العربية تتولي الأمانة العامة للجامعة العربية نقلهم إلي جنوب أفريقيا وتشجيع فريق العرب الجزائري وإعداد نقل موحد كما في موسم الحج للمباريات وشحن الإعلام العربي لتثقيف المشاهد العربي بأصول كرة القدم وتشجيع الفريق بطريقة متحضرة. إنني أناشد الرئيس مبارك وبوتفليقة أن يصدرا تعليمات فورية بوقف فوري للحملات الإعلامية ووقف التصريحات أو النشر أصلاً في هذا الملف الخطير، كما أوجه نفس النداء إلي المجتمع المصري ونقاباته ومنظماته المنغمسة في هذ الحدث، وكذلك إلي الجزائر والإعلام العربي في ربوع العالم العربي، لأن استمرار هذه الحال يجلب الضرر علي الجميع، ولنتعلم كيف ننظر إلي الأشياء بحجمها الطبيعي، وأن نضع المصلحة العامة الاستراتيجية فوق الاستغلال السياسي اللاأخلاقي لغرائز الناس، فالوطنية الحقة هي البناء وحرية التعبير وانطلاق الإبداع وليس الكبت فيما ينفع وتوجيهه إلي ما لا يجدي.