لا شك ان أحداث وتفاصيل ما جرت ستطرح الكثير من الأسئلة والاستفسارات بداية من الباحثين في المجال الرياضي والاجتماعي وصعود وانتهاء إلى أجهزة الاستخبارات والأمن القومي المعنية بمصر والمنطقة ، وما من شك في أن شريط الأحداث خلال هذه الفترة وما سبقها سيشكل مادة دسمة للبحث في الإجابة على كل ما يمكن ان تنتجه عقول الباحثين من أسئلة حول الموضوع . وربما أصبح لصناعة الكرة مزيد من الاهتمام السياسي ولكن على طريقة الدول النايمة النامية وليس الدول اليقظة المتقدمة التى جعلت من كرة القدم صناعة وتجارة للتربح بالإضافة إلى كونها وسيلة في الأصل للتربية الأخلاقية والترويح والاستمتاع. ولاشك أننا كمصريين سعداء بالنتيجة الأولية التى حققها المنتخب الوطني المصري ولكن لكل منا بواعثه وأسبابه الخاصة في السعادة والفرح كل بحسب بنيته القيمية والمعرفية ومستوى عقله وإدراكه ، وما يحمل من أجندات وأهداف واهتمامات فالبعض فرح بقرب تحقيق حلم المونديال لامتهانه أو اهتمامه بالكره بأي شكل من الأشكال كمحترف أو كمهني لأي من الأعمال المتعلقة بصناعة كرة القدم أو كهاوي ومشجع للعبة الشعبية الأولى والتي وعي إدراكه عليها في محيط بيئته فتعلق بها وأحبها بأي شكل من الأشكال . وربما كمشاهد من قريب أو بعيد لزفة المشهد وقد أدخلته وسائل الفضائيات الحديثة تحت دائرة التأثير الناعم دون ان يدرك ما يدور حوله فقرر ان يشارك ويفرح وقد نسى طعم ومعنى واسم الفرح منذ زمن بعيد ، وربما ولد ولم يدرك في قاموسه الخاص كلمة ومعنى الفرح ، فقرر ان يشارك ويجرب طعم هذا الفرح الذي يقولون عنه. والبعض فرح لوجود سبب كبير يلهى به الشعب عن قضاياه الهامة والأساسية، وفشله المتكرر في التعاطي معها ، والبعض الآخر وجدها وسيلة فعالة للتغطية على فساده وانحرافه وإعادة تجميله مرة أخرى ورسم صورة ذهنية لدى الشارع عن التى كانت قبل الحدث. والبعض وجدها فرصة لسرقة هذا النصر وتلميع نفسه به لتحقيق أحلام وأوهام ما تداعب خياله من قريب أو من بعيد. من أهم الأسئلة التى يمكن أن يطرحها العقل البحثي والفلسفي سعيا وراء كشف جزء جديد من الكثير من الحقائق الغائبة والمغيبة وربما المهملة : كيف ولماذا اجتمع واحتشد الشعب المصري بكافة شرائحه العمرية والنوعية وتوجهاته وانتماءاته المتنوعة على قلب رجل واحد ؟ حول فكرة مركزية من الطبيعي أن تكون في آخر أولويات واهتمامات هذا الشعب المثقل بالكثير والعجيب من المشاكل . هل يمكن أن يتكرر هذا الاجتماع والاحتشاد مرة ومرات أخرى نحو قضايا مركزية هامة يمكن ان تقرر مصير هذا الشعب وربما المنطقة؟ ما هي الأفكار المركزية والمشروعات الحقيقية التى يمكن ان تعيد تكرار هذا الجمع والاحتشاد مرة أخرى؟ لماذا استجاب الشعب المصري لهذا الحدث ولم يستجب للكثير من الدعوات والمشروعات الأخرى التى تعرض عليه على الأقل من قبل النظام ؟ مسلسل الشحن وما تضمنه من سياسات وأدوات وإجراءات هل تم عفويا ، أم بفعل فاعل ، خطط له بعناية فائقة وقدم نموذج ناجح لاستغلال الفرص المتاحة لتحقيق أهداف معينة كبيرة بغض النظر عن مشروعية هذه الأهداف ، ومشروعية الوسائل أيضا!؟ لماذا لم يتكرر هذا الاجتماع والاحتشاد من قبل على الأقل خلال الثلاثين عاما الماضية ؟ وهل هو دلالة على غياب القيادة والأفكار والمشروع الملهم لهذا الاجتماع والاحتشاد ؟ كما أن هذه المباراة أكدت مجموعة من الحقائق التى يمكن ان أقدمها بشكل مبدئي على مائدة الباحثين والمدققين في الشأن المصري ان هذا الشعب لم يمت ولم يستسلم لكافة محاولات القهر والإذلال و الهدم والتدمير والإذلال التى تمارس عليه كل يوم ، ولكنه يتحمل ويصبر كما ان قدرته على التحمل مكنته من بعض مهارات المرونة و التكيف مع الأمر الواقع ، ولكنه مازال صامدا وقويا ومستعدا للعمل والعطاء والتضحية والفعل والانجاز حينما يوجد المشروع الحقيقي والقيادة الحقيقية الملهمة. على مستوى هذا الفريق المتميز والذي واجه أعظم الفرق العالمية في مجال كرة القدم ونافسها بقوة وانتصر على بعضها ، تتأكد لنا حقيقة هامة هي : أننا قادرون على الفعل والانجاز وبلوغ أعلى المستويات في الرياضة والفن والعلم والتكنولوجيا والاقتصاد والعسكرية والسياسية ...الخ ، إذا رفعت عنا قيود الاستبداد والقهر والجهل والتخلف ، وإذا استكملنا الأخذ بالأسباب الحقيقية وخاصة إعداد البنية النفسية الخاصة بالانجاز والتميز من طموح كبير وهمة عالية وإرادة وإصرار على القمة والإحساس بالانتماء وتقدير الذات والعزة ...الخ ولهذا الأمر حديث خاص أؤجله إلى ما بعد المباراة القادمة في السودان والتأهل للمونديال إن شاء الله تعالى ، وألا نذهب إلى المونديال العالمي مع الكبار في هذا المجال ( كرة القدم ) كضيوف شرف فقط ، بل لابد من تحديد هدف طموح ببلوغ دور الأربعة أو الثمانية على الاقل. فاعلية نموذج الاستجابة والتحدي في الشعب المصري الذي يمتلك من المقومات النفسية ما يمكنه من الاستجابة لأية تحديات يمكن أن تواجهه شرط توافر المشروع الحقيقي والقيادة الحقيقية الملهمة المخلصة. الوعي والانضباط الكبير الذي يتمتع به الشعب المصري شرط ألا يجبر قسرا على غير ذلك . عمق وقوة الانتماء والوطنية المتجذرة في تكوين الشعب المصري وان راهن البعض على تفكيكها وتفريغها من مضمونها تحت ضغط الأزمات المفتعلة والضغوط الشديدة لدفعه إلى التخلي عن انتماؤه ووطنيته وحبه الشديد لمصر. الفجوة والهوة الكبيرة بين الشعب المصري والنظام المفروض عليه من جهة ، وبينه وبين أغلب القيادات السياسية والدينية الأخرى التى تحاول التعاطي معه ولم تتفهم الكيميا النفسية الخاصة به حتى الآن . حالة الحرمان من الفرح ، والكبت الكبير والرغبة الملحة في الانطلاق وربما الانفجار في أي لحظة. قوة أُثر وفاعلية آلة الشحن المعنوي والتوجيه والتأثير وحشد وتوجيه الجماهير على مستوى التخطيط والأدوات والتنفيذ ، خاصة في ظل شعب لسان حاله أن قيثارته ملئت بأنات الجوى ويبحث كل ساعة ودقيقة عن الانفجار ، بيد انه مازال يمتلك جزء من العقل يعمله في حسابات المكسب والخسارة على مستواه الشخصي على الأقل. على الإجمال يمكننا ان نفترض شعبا قويا بكل ما تحمل معاني القوة من قوة عقلية وعلمية ونفسية ...الخ بلا مشروع ولا بلا قيادة ، وإن شئت قل عقلا كبيرا وجسدا قويا فتيا ولكنه يتعرض يوميا لحقنة بنج تغيب عقله عن العمل وكلما استفاق أعادوا عليه حقنة البنج مرة ثانية . كما انه يمكننا استنتاج بعض الأشياء والتأكيد عليها يقظة ووعى الشعب المصري العظيم ضد أية محاولة لسرقة هذه الاجتماع والحشد والانتصار الرياضي الكبير ان شاء الله من قبل النظام وما يدور في فلكه ويبحث عنه ويعمل له ويستفيد من ، فهذا الانتصار بفضل الله تعالى أولا ثم بالجمهور وقيادة المنتخب ( المعلم شحاتة والجهاز الفني ) واللاعبين ولا دخل للساسة أو رجال الأعمال من قريب وبعيد فيه. ويتعجب الكثير من الناس متسائلين هل يمكن ان يعيد الماكياج شباب وجمال وجاذبية العجوز الشمطاء الحيذبون !؟ بالطبع لا ، بل إن تطفلها على المشهد بالتأكيد سيشوهه ويسيء له ، وبالتأكيد سيفسد على الشعب فرحته. بالتأكيد ان المعلم والمدرب العالمي القدير المصري الأصيل ، وكابتن فريقه الأغر المبدع احمد حسن ، بالتأكيد هم على وعى كبير وسيهدون الانتصار إلى من يستحقه فقط وهو الشعب المصري الأصيل الثمانون مليون الذين ينتظرون هذا النصر ليفرحوا به ويخفف من أحزانهم فى القطارات والعبارة والقمح والدم الفاسد و...الخ فقط إلى الشعب المصري وفقط .