كان المشهد قبيحًا جدًا لكل من رآه. بضعة أفراد من المعتصمين في ميدان التحرير يمنعون العشرات الذين جاءوا من أماكن مختلفة في مصر، بعضهم من أقصى الصعيد، لإنهاء شئونهم في مبنى مجمع التحرير. شاب نحيل الوجه والجسم يتقدم ويكتب على الحائط أمامهم متبسما ابتسامة صفراء "مغلق بأمر الثوار"! تنظر إلى الناس الذين يحملون ملفات معاملاتهم في أيديهم فتنتابك الشفقة وأنت تراهم لا حول لهم ولا قوة. لا دولة تحميهم ولا حكومة تدفع عنهم هؤلاء المتجاوزين للقانون ولا رئيس جمهورية يهمه أن يأمر السلطات الأمنية بفتح المجمع بالقوة. فتح المجمع، بل إخلاء ميدان التحرير من المعتصمين لا يحتاج لأكثر من 12 شرطيًا لأن أصحاب المحلات والمصالح سيساعدونهم بعد أن بلغ بهم السيل الذبى وطفح الكيل. للأسف حكومة قنديل الضعيفة وتساهل رئيس الجمهورية سبب هذا البلاء الذي لم يكن يجرؤ عليه المستهينون بالقانون في عهد المجلس العسكري السابق. لم يحدث أبدًا أن تفاوض ذلك المجلس مع وفد من المعتصمين في ميدان التحرير على فتحه أمام حركة المرور، والخضوع في المقابل لشروطهم. لا يمكن أن تتفاوض دولة على حقوقها وحقوق المجتمع. حتى النظام السابق لم يكن يسمح بذلك. نتذكر أن محمد عبد الحليم موسى وزير الداخلية الأسبق الذي كان شهيرًا بلقب "شيخ العرب" أقيل فورًا من منصبه لأنه فكر في التفاوض مع الجماعات الإسلامية التي كان بعضها ينتهج العنف في ذلك الوقت. وزارة الداخلية فعلتها بالفم المليان في عهد الرئيس مرسي وتفاوضت مع المعتصمين على فتح الميدان المغلق من جميع الاتجاهات، فدفعت الدولة هيبتها بالكامل ثمنًا لتلك الفضيحة، إذ بشرت الوزارة الأمة المصرية بأن سلطات ميدان التحرير ستفتحه عقب مظاهرات يوم الجمعة الماضي مقابل أن تضع "الداخلية" جدولًا زمنيًا لرفع الحواجز الأسمنتية من الشوارع القريبة. طبعًا هذا الضعف المزري كشف للمعتصمين ومخترقي القانون أنهم إزاء دولة متآكلة لم يبق من قدرتها شيء، سوى عصا يستند عليها ميت كما في قصة سيدنا سليمان، ففي فجر اليوم التالي أعلنوا تراجعهم عن فتح الميدان، ثم أغلقوه تمامًا عند الظهر ووقف اثنان دميما البدن أيضًا وراء حاجز بجانب المتحف المصري يعلنان عن الاستعداد لبدء العصيان المدني. عقب ذلك رأينا ما رأيناه يوم الأحد، أول أيام العمل، أمام مجمع التحرير. منع أصحاب المصالح من دخوله وإجبار الموظفين على مغادرته.. ثم تتواصل الأنباء عن اعتزامهم غلق مترو الأنفاق، وأتصور أن الشجاعة بلغت بهم مبلغًا أن يفرضوا العصيان على القاهرة بأكملها! مشهد العصيان بالإكراه يسري في المحافظات والمدن سريان النار في الهشيم ويعمل بنظرية الأواني المستطرقة، فلا نسمع صوتًا للحكومة سوى الضجر من البلطجية الذين يفرضون ذلك على الناس، ويفاجئنا مرسي بأن طلبات الناس لفرض الأمن بحزم وقوة مجرد عواطف لن يستجيب لها! وبضعف بالغ يعلن المتحدث باسم مجلس الوزراء "أن الذي يحدث هو أن بعض الأفراد يحاولون إجبار بعض الموظفين ببعض المصالح الحكومية وخاصة دواوين بعض المحافظات ومنها محافظة الدقهلية على الخروج ويعتدون عليهم في حالة عدم الاستجابة لهم". طيب.. وأنت فين يا حكومة؟!.. هل المسئول عن إدارة الدولة هو من يشكو؟ وهل دور الناس أن يقوموا بأداء مهمتك؟ ما زلت أسأل وأكرر سؤالي: هل فعلًا يعيش الدكتور محمد مرسي معنا في مصر وتبلغه أنباء تلك المهازل، أم أن هناك من يسري عنه بحكاوى قبل النوم فيصورها له بأنها زوبعة في فنجان؟!! [email protected]