خلال الأيام القليلة الماضية برز مشهدان سوريان متناقضان ومتنافران في الوقت نفسه الأول تمثل في اعتقال الحكومة السورية للناشط الحقوقي هيثم المالح" 78" عاما بتهمة ديناصورية وهي نشر أخبار كاذبة توهن عزيمة الأمة، أما المشهد الثاني فهو الخبر الذي نشرته مجلة دير شبيغل الألمانية دون أن يعلق أي مسؤول سوري عليه حتى الآن، وهو سرقة الموساد الصهيوني حاسوبا لمسؤول سوري بينما كان يحل في فندق كينسيغتون وسط لندن ويحتوي على مئات الوثائق والخرائط وصورة لما قيل إنها لمسؤول كوري متهم بمساعدة سوريا في بناء مفاعل نووي بمنطقة دير الزور في الجزيرة السورية ... بالطبع فضلت المخابرات السورية القبض على ناشري الأخبار الكاذبة ومروجيها، ما دام الشعار منذ حرب الساعات الست في حزيران حين كان الرئيس السابق حافظ أسد وزير الدفاع ويقود تلك الهزيمة الساحقة، الشعار كان ما دام النظام لم يسقط فإننا لم نخسر الحرب .. وبالتالي فضلت المخابرات السورية ملاحقة ناشري الأخبار الكاذبة على ملاحقة قضية الموساد ما دامت تستهدف النظام بنظرهم بالطبع إن صحت رواية السرقة وليس البيع والتواطؤ والعمالة فهذا المسؤول الذي عرّض البلد إلى مخاطر ماحقة من القصف والاعتداء على سيادة البلد وهو الأمر الذي تدفع البلد ثمنة حتى الآن وستدفع، هذا المسؤول لا أحد يعرف اسمه،خصوصا وأن خط الموساد ضاعف من حضوره هذه الأيام بعد أن كشفت وسائل إعلام دولية عن تورط الموساد في قتل قناص موسادي أيضا للعميد محمد سليمان مستشار الرئيس السوري للشؤون الأمنية في طرطوس العام الماضي، وهو الأمر الذي تكتمت السلطات حينه بالحديث عن أسباب وخلفياته ولا تزال وهي السمة التي طبعت النظام من عدم التحقيق في هكذا قضايا ما دام ضرب الحبيب زبيب ... قديما رد الإمام الحسن البصري على سؤال أهل العراق له عن جواز قتل البعوض فقال : "تقتلون الحسين وتسألون عن دم البعوض" وها هي الحكومة السورية تسارع إلى اعتقال الأحرار من أمثال المالح والحسني والكوكي،وتدع التحقيق في قضايا خطيرة تمس الوطن ماضيا وحاضرا ومستقبلا، كمثل قيام مسؤول بأخذ حاسوبه وهو يحتوي على هذه الوثائق الخطيرة إلى فندق في لندن، عملية أعتقد لا يفعلها أطفال حريصون على مصالحهم وألعابهم فضلا عن مسؤولين ومعلومات بهذا الحجم من الخطورة، ولكنه الاستهتار أو العمالة ، وهو الأمر الذي يكشف جانبا خطير من طبيعة السياسة التي ينتهجها النظام السوري، وهو الذي يجيش الجيوش والإعلام وكل ما يملك ضد من يتحدث عن حقوق الانسان وحريته وكرامته في سوريا، أما المسؤول عما حل بالكبر وقبله بمجازر في حماة وتدمر وجسر الشغور وصيدنايا والقنيطرة وتدمير قاعدة الصواريخ السورية في لبنان وغيرها من الأحداث الخطيرة في التاريخ السوري فهذا دم بعوض بالنسبة للنظام ... قبل هذا جاء اغتيال عماد مغنية أحد الحلفاء المهمين للنظام السوري على أيدي الموساد بتفخيخ كرسي سيارته في منطقة كفر سوسة الحساسة حيث تحوي كما يتردد مبنى الهينئة الذرية السورية والسفارة الإيرانية، ومع هذا لم نجد أن النظام اكترث للأمر وهو الذي توعد وتوعد وزير خارجيته بالكشف عن المتورطين ومن وراءهم، ثم ابتلع النظام تلك الإهانة كما ابتلع غيرها وسيبتلع أضعافها،وهو المشغول بملاحقة من يطالب بالحرية لشعبه ولأمته .. فما يشغله هذه الأيام وسيظل فهو الحرص على رفض أو تأجيل التوقيع على اتفاقية الشراكة السورية الأروبية المشتركة إذ أنه يدرك تماما أنه أكثر الأنظمة عُرضة للتفسخ إن هو سمح لأي ثقب بدخول الهواء النقي على غرف الشعب السوري، حينها سيتعرف الشعب على الخط المستقيم والخطوط المعوجة وسيدرك أيضا مدى الفرق والبون الشاسع بين ما يعيشه وبين ما يعيشه الآخرون ... أن تتجرأ سلطة على القبض على رجل بلغ الثمانين من العمر مثل هيثم المالح ، وقاض في المحكمة العليا سابقا ورجل حقوقي، يدرك ويعي أبعاد الكلمة، فقط لأنه يطالب ومن دمشق مسقط رأسه يطالب بالحرية والكرامة لشعبه فذاك يعني أن الحالة الهيسترية بلغت مبلغا خطيرا للنظام ، وذلك من شأنه أن يفند أقوال كل من يقول إن الذي يطالب بالتغيير واحترام حقوق الانسان إنما هم شذاذ معارضة تعيش في عواصم الضباب والنور ولا معرفة لها بسوريا ولا بمصالحها، لكن الآية هذه المرة انقلبت على ما يبدو تماما، فقد لمسنا كيف أن معظم أطراف المعارضة في الخارج التزمت الصمت، أو اعترضت على اعتقال المالح لكن على استحياء بينما من يتصدى لمعركة التغيير واحترام حقوق الانسان هم المعارضون في الداخل فهم الذين يدفعون الثمن ولا يزالون .. اللافت أن المعارضين السوريين في الداخل لا يزالون يعارضون ويطالبون بالتغيير رغم أنهم يدركون مصيرهم إلى السجون وغياهبه ، فرياض سيف الأمين العام لتجمع إعلان دمشق يدرك تماما مصيره حين طالب بالتغيير، وتدرك فداء الحوراني والطبيب ياسر العيتي أن مصيرهما مثل مصير رياض سيف ، ونفس الأمر ينسحب على مهند الحسني وهيثم المالح، وتأتي رسالة المراقب العام للإخوان المسلمين السوريين التي نشرها موقع " سوريون نت" المعارض لقادة الحركات الإسلامية والتي يطالبها بمقاطعة مؤتمر الأحزاب العربية المنعقد في دمشق في العاشر من الشهر الجاري ليؤكد أن عاما من الهدنة الإخوانية السورية مع النظام لم تفلح في تغيير سلوكياته تجاه شعبة ومعارضته، رغم تدخل حركات إسلامية ووطنية لإقناعة وحتى تدخل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان .. اللافت أن النظام الذي صمت تماما إزاء احتجاز السفينة الذي تفاخر بأنها سورية بينما كانت تل أبيب تقول إنها متجهة من إيران إلى سوريا، ومع هذا كله لم يبد على وزير خارجية النظام وليد المعلم الذي قال إنها متجهة من سوريا إلى إيران لم يبد عليه أي استعداد لمقاضاة الكيان الصهيوني دوليا، فحسب الأعراف الدولية فإن ما جرى صهيونيا وهو الحادث الثاني خلال شهر تقريبا ضد النظام السوري قرصنة دولية بامتياز ، فالنظام السوري مشغول بملاحقة أمثال هيثم المالح والحسني والعيتي وغيرهم .. المعارضة الحقيقية هي التي لديها مشروع حقيقي تعلنه بتفاصيله وتدعو الكل إلى المساعدة في إنجازه، وما يعرضه عليها النظام من عروض ونحوه إنما تقيسه على مقياس ومقدار نجاحها في الدفع بمشروعها أو التراجع عنه ، أما أن تعيش معارضة على وقع ما تجود به أيادي النظام، وهي تدرك تماما أنها لن تجود أبدا فهذا يعني أنها تعيش حالة التيه أولا، وثانيا ستُفقد دعم ومساندة جماهيرها، وثالثا ستُفسح المجال لقوى معارضة أخرى بالبروز... باختصار فإن اعتقال المالح والكوكي والحسني على ما يبدو أكباش فداء للتغطية على الوليمة السورية للموساد الصهيوني ..