لا أعني "بالتاريخية" فى العنوان أنها مبادرة من النوع الذي لا يتكرر ، أو أنها مبادرة من شخصية لها وزن تاريخي أو عالمي ، ولكن المقصود أنها مبادرة تتعلق بالتاريخ. والتاريخ هنا هو تاريخ الثورة المصرية وأحداثها ، وأيامها ولياليها وأبطالها. من العسير تصور أن تجري بمصر أحداث جسام من النوع الذي يقلب الأنظمة ويغير خريطة المنطقة ثم لا يلتفت أحد إلى كتابة تاريخ الثورة بشكل منهجي وعلمي شامل. لا بد وأن بعض المحاولات تجري هنا أو هناك فى هذا الجانب ولكنها في رأيي غير منتظمة وتنتج فى النهاية أعمالاً متناثرة وغير مكتملة. ليست هذه هي المشكلة ولكن التخوف الرئيسي يكمن في أن يجري تزوير تاريخ الثورة عمداً بواسطة بعض محترفي النصب ممن يلقبون بالمثقفين ، أو يجري تناول أحداث الثورة بشكل مختلف عن حقيقتها بسبب نقص المعلومات عند المتصدرين لهذه المهمة ، أو يقوم بعض المتحيزيين لأفكار وأيدلوجيات وجماعات معينة بإخراج منتجات أدبية أو تاريخية تحكي تاريخ الثورة بشكل مشوه ، وذلك بطريقة تعكس انتماءاتهم السياسية أو الفكرية. وفى النهاية تتناول الأجيال التالية تاريخاً مزيفاً لا يمت إلي الحقيقة بصلة. سأواجه باتهامات بالمبالغة فى التخوف ، ولكني مصر علي رأيي بشأن محاولة التلاعب بمقدمات الثورة وأحداثها ونتائجها علي أيدي أعدائها ، أو حتى أصدقائها ممن فاتهم المشاركة في الأحداث الأصلية فراحوا يبحثون عن دور بين ثنايا الكتب وصفحات القصص والرويات. بل إني أعتقد أن هذا لا يحتاج إلي دليل إذ يكفي أن نري كل يوم الواقع المشاهد أمام أعيننا يجري تزويره لنعلم أن تزييف حقائق مضي عليها عامان أو ثلاثة ليس بالأمر العسير. سمعنا منذ أيام عن استعداد المخرج اليساري خالد يوسف لإخراج فيلم عن سيرة الزعيم اليساري أيضاً "حمدين صباحي". لن أفترض البراءة فى الفيلم ولا في المخرج ولا المنتج إذ تبقى الصورة واضحة بشأن محاولة التكتل اليساري حجز مقعد متقدم في الصفوف الأولي لمسيرة النضال الوطني والتي توجت بالثورة ، إذا كان اليسار أو الفلول أو حتى الإسلاميين يمتلكون قدرات مالية و تقنية ، أوكفاءات أدبية وعلمية قادرة على صياغة تاريخ الثورة بشكل متحيز فإن بقية الشعب لا يمتلك هذه الأدوات ، وسيظل يبحث عمن يحكي نضاله الحقيقي لأبنائه وأحفاده. الشعب هو صاحب الثورة ومالكها ، ويجب أن يكتب تاريخها بنفسه. لا أدري ما هي الاَلية التي يمكن بها تحقيق هذا الأمل ، لكني أزعم أن فتح المجال للإقتراحات فى هذا الباب سينتج عنه أفكار يمكن بلورتها في مشروع واحد واعد يضمن عدم سرقة تاريخ الثورة. وسأبدأ بنفسى لأجعل من فكرة الجمعيات المنتخبة أساساً لإنتاج أي عمل يهم عموم الشعب ، وهذا في رأيي عنوان الإنصاف أن يكلف الشعب عن طريق الإنتخاب من يراه مناسباً لكتابة تاريخ الثورة. ثم ينتظم هؤلاء المنتخبون في جمعية ، وتكون مهمتهم جمع الوثائق والحقائق عن الثورة ، وعقد لقاءات ومؤتمرات في كل المحافظات ، ومن ثم صياغة عمل تاريخي بمنهج علمي للأجيال القادمة. ليس المقصود من هذا هو احتكار الكتابة عن الثورة أو منع أي مبدع من التعبير عن الثورة من منظوره الخاص ، ولكن المقصود هو قطع الطريق على اللصوص الذين أدمنوا التزييف لكل الحقائق الماضى منها والحاضر. كما أن لهذه الجمعية هدف اَخر وهو توفير المعلومات الصحيحة ، والحقائق الثابتة ، والوثائق المعتدمة للسياسين والباحثين والأدباء والمؤرخين الذين يرغبون في إنتاج أعمال تتحدث عن هذه الحقبة المهمة من تاريخ مصر. كما انتخبنا جمعية تأسيسية لتكتب دستور المستقبل ، نريد أن ننتخب جمعية تاريخية توثق لنا الماضي. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]