التطوّرات في فلسطين تقترِب من لحظة انفِجار كبير يُمكن أن تُعيد عقارِب الساعة 60 سنة دُفعة واحدة إلى الوراء بسبب الانسِداد الكامل لفرص التسوية والانهيار شِبه التام لخِيار الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية. هذه هي الخلاصة التي خرج بها العديد من المحلِّلين الشرقيين وهُم يتابعون كُلاً من "استسلام" إدارة الرئيس الأمريكي أوباما لكل الشروط الإسرائيلية الخاصة بكل من المُستوطنات والتّسوية، والتمخّضات العنيفة التي تجري في كلٍّ من إسرائيل والأراضي الفلسطينيةالمحتلة هذه الأيام. الموقف الأمريكي "الاستسلامي"، جاء بوضوح على لسان هيلاري كلينتون، بعد اختتام جولتها الشرق الأوسطية الأخيرة، إذ قالت: "لا تزال لدى الولاياتالمتحدة أسئلة جدّية حول المُستوطنات، لكننا نفهَم أيضاً إلى حدٍّ كبير أن هذه المسألة ترتبِط بالحاجات الأمنية لإسرائيل وبرَغبَتها في إقامة حِزام يُمكن الدِّفاع عنه حول أراضيها". هذا الموقف عنى في العُمق دعوة إلى تفهّم ضرورات الاحتلال الإسرائيلي، ولم يبق الآن سوى أن يفهم الفلسطينيون بأن عليهم تفهّم هذا التفهّم الأمريكي، إذ أن هذا، كما تجلّى بوضوح مؤخّراً، أقصى ما تمخّض عنه جبَل "الثورة التغييرية" الأوبامية. حسناً، إلى أين الآن من هنا؟ إلى انتفاضتين، لا واحدة. انتفاضة فلسطينية جديدة تنطلِق مجدّداً من القدس، لكن سيكون عليها هذه المرّة الانتفاض، ليس على الاحتلال وحسب، بل أيضاً على قادة حماس وفتح معاً لحملهم على وقْف مسيرة انشطارهم الجغرافي والإيديولوجي والإستراتيجي الجنوني الرّاهن. وانتفاضة إسرائيلية أيضاً، لاستكمال تهوِيد ما لم يُهوَّد بعدُ في القدس والضفّة الغربية، بعد أن نالت حكومة نتانياهو الضّوء الأخضر ودرع التثبيت الأمريكييْن للمُضي قُدماً في ذلك. "الاحتلال العربي" هل نحن نمزح حين نتحدّث عن انتفاضة إسرائيلية؟ كلاّ البتّة. فهذا ما يقوله هذه الأيام الإسرائيليون أنفسهم. لنستمع، على سبيل المثال، إلى ما قاله أحدهم وهو رون بريمان، رئيس "منظمة بروفسورات إسرائيل القوية" (هآرتس 4-10- 2009): "أجل، الاحتلال يجِب أن ينتهي، لكن أي احتلال؟ إنه الاحتلال العربي للأراضي الإسرائيلية في الضفة وغزة. هذه هي الأراضي المحتلّة حقاً، والتي ارتكب بعض قادة إسرائيل جريمة إعادة بعضِها في أوسلو، ثم خلال فكّ الارتباط مع غزة. بيْد أنه ليس ثمّة في الواقع مبرِّر للانتحار على هذا النّحو أو للتضحية بالرُّؤية الصهيونية على مذبح ما يسمّونه السلام". ويضيف: "إننا نرفض حلّ الدولتيْن. وإذا ما كان لابد من حلٍّ، فلا يجب أن يتِم ذلك غرب أراضي إسرائيل (الضفة وغزة)، بل في الأردن الذي يجب أن ينتقل إليه عرب إسرائيل الحاليون عاجلاً أم آجلاً. هناك سيكون الحلّ. لكن في هذه الأثناء، يجب أن نُنهي الاحتلال: الاحتلال العربي لأرض إسرائيل". قد يُسارع البعض إلى القول أن هذه المقاربة قديمة قِدَم اليمين الجابوتنسكي، وأنها لم تعُد واردة الآن بعد أن قبل حتى بنيامين نتانياهو مبدأ إقامة دولة فلسطينية، بغضّ النظر عن طبيعة هذه الدولة. لكن هذا غير صحيح. فهذه الفِكرة القديمة ما انفكّت تتجدّد كل يوم في الدولة العِبرية، على رغم كل المياه الغزيرة التي تدفّقت تحت أرجُلها منذ معاهدة كامب ديفيد ومؤتمر مدريد، ثم اتفاق أوسلو ومعاهدة وادي عربة. وحين وُضِعت إسرائيل في عام 2000 بين خيارَيْ الدولتيْن أو الدولة العُنصرية الواحدة على النّمط الجنوب إفريقي، لم تتردّد في اختيار الثاني. الآن، خيار الدولتين مات وشبع موتاً، ما عدا في الإسم والخُطب الدولية البلاغية الرنّانة. وبريمان لا يفعل شيئاً في الواقع سوى محاولة رُؤية الغابة التي تختفي وراء شجرة موت هذا الخيار، وهي غابة يجِب أن يُحسم فيها الصِّراع بشريعة الغاب وبأنيابها ومخالِبها. وجولة كلينتون أسبغت الشرعية الأمريكية على كلِّ التوجّهات، وهذا ما سيُترجم نفسه، قريباً على الأرجح، في شكل شلاّلات دَم جديدة في فلسطين والمنطقة. سيدة فلسطينية تغسل الأواني بالقرب من مدينة رام الله بالضفة الغربية يوم 27 أكتوبر 2009. نفس اليوم الذي أصدرت فيه منظمة العفو الدولية تقريرا عن التضييقات الإسرائيلية التي تمنع الفلسطينيين من الحصول على ما يكفي من المياه في الضفة والقطاع أراضٍ.. ومياه بيْد أن هذا ليس كلّ ما في جُعبة الإسرائيليين لتصفية القضية الفلسطينية أو على الأقل "تصديرها" إلى كلٍّ من الأردن ولبنان، هناك سلاح آخر يستخدِمونه بكثافة الآن، اسمه سلاح المياه. فبعد تقرير غولدستون حول جرائم الحرب الإسرائيلية، جاء الأسبوع الماضي دور منظمة العفو الدولية لتكشِف عن جرائم "السّلام الإسرائيلي": الدولة العبرية تمنع الماء عن ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقِطاع غزة، وتفتح كلّ الصنابير أمام المستوطنِين الذين يهدرونها على أحواض السِّباحة ومروج العشب الأخضر، وحتى على مزارِع السّمك في جرود الضفة الغربية. 80% من المياة الجَوفية في الضفة الغربية تذهب إلى المستوطنين (نحو 400 ألف)، فيما 3،2 مليون في الضفة يحصلون على ال 20% المتبقِية. أما مياه نهر الأردن، وهي المصدر الوحيد الثاني للمياه، فهي محظورة على الفلسطينيين. "صحيفة فاينانشال تايمز" توجّهت قبل أيام إلى بلدة سوسيا في جنوب الضفة الغربية، لمعايَنة تقرير لجنة العفو على الطبيعة، وعادت بالصورة التالية: "المياه لا تصل البتّة إلى هذه البَلدة، التي هي كناية عن مجموعة من الأكواخ المُترنِّحة والمُتداعية، ولذا، اضطر الأهالي إلى الاعتماد على بِئر قديم شحيح المياه لا يكفي سوى أسرة أو أسرتيْن. على بُعد أمتار قليلة من سوسيا، تنتصب فوق تلّة مرتفعة مستعمرة يهودية، تُزنّر منازلها الزهور والحدائق الغنّاء، وتخترقها الأشجار الباسقة، وتحيط بها صفوف طويلة من الخِيم الحرارية التي تتغذّى خُضرواتها من دفق متواصل من المياه. أما مستعمرة الكارمل اليهودية المجاورة، ففيها حوض سباحة ومزرعة كبيرة لإنتاج الأجبان والألبان وأحواض مائية جميلة". المقارنة بين هاتيْن البُقعتين المجاورتيْن، أشبه بالمقارنة بين الجنّة وجهنّم. وربما هذا بالتّحديد ما يريده الإسرائيليون: أي توفير الجنّة لمستوطنيهم وتعطيش السكان الأصلييين، لدفعهم إما إلى الموت عطشاً أو الحَسرة أو الاثنين معاً. تل أبيب تقول إنها غير مسؤولة عن هذه المأساة التي تحيق بغزّة والضفة معاً. لماذا؟ لأن اتِّفاق أوسلو مَنحها الحقّ في السيْطرة على 80% من موارد المياه في الأراضي المحتلّة، لكن القادة الفلسطينيين في الضفة كما في غزة، الذين شطرهم الصِّراع على السلطة والتّنافس على أدِّعاء امتلاك الحقيقة خلال الحِقبة الأخيرة إلى معسكريْن متصارعيْن، يجدون أنفسهم الآن في زورَق واحد وسَط بحيرة لا ماء فيها. فالمسألة لم تعُد بعد قضية احتلال أراضٍ وحسب، بل باتَت مسألة حياة أو موت. مسألة صِراع بقاء على وجه التّحديد لكل "الجماهير" التي يُفتَرض أن يُمثِّلونهم. وبالطبع، إذا ما قضت هذه "الجماهير" عطَشاً، لن يعود ثمّة فرصة لا لحُكم شعب بلا أرض، ولا للمطالبة بأرض أُخلِيت من شعبها. تقرير غولدستون سقط على رؤوس القادة الفلسطينيين وهُم غارقين حتى أذنيْهم في التّنافس على مباهج السلطة الدُّنيَوية. هذا كان التفسير الذي قُدَّم آنذاك لتبرير ما لا يُبرّر: القفز فوق الجرائم الإسرائيلية العامة للوصول إلى أغراض سياسية خاصة. بيْد أن تقرير لجنة العفو الدولية يجِب أن لا يحظى بهذا المَصير الغريب نفسه. فلا حماس ولا فتح يمكنها أن تربح منه على حساب الأخرى، ولا الضفة الغربية ستتميّز عن غزة في شحّ المياه، كما حاول الغرب تمييزها على صعيد فُرص العمل والمشاريع الاقتصادية. الكل في المُصيبة سواء والكلّ في العَطش سواسية. وإذا لم تتوحّد فتح وحماس في هذا المجال على الأقل، فمتى تتوحّدان؟ حين يُصبح شعبهما الذي لا أرض له، شعباً من "اللاجئين المائيين". احتمالات هذا التوحّد تبدو شحيحة شحّ المياه، لأن كلاَ من فتح وحماس عالِقتين في مأزق إستراتيجي ومنزلَق مفهومي أو فكري (إذا جاز التعبير): الأولى، لا تستطيع التقدّم إلى الأمام نحو الدولة الفلسطينية، وِفق أوسلو، على رغم الدّعم الأمريكي والأوروبي الهائل لها، بسبب الرّفض الإسرائيلي لذلك. والثانية، لا يمكنها التّراجع (حتى الآن على الأقل)، إلى ما قبل انتخابات 2007، التي جعلتها تتذوّق طعْم السلطة (وإن كانت هذه سلطة مغمسة بمرقة أوسلو المسمومة). هذا على الصعيد الإستراتيجي، أما على المستوى المفهومي، فواضح أن كِلا الطرفيْن أو على الأقل أحدهما، في حاجة إلى تغيير "أنموذجه الفكري" كي يستطيع الإمساك (حماس) أو إعادة الإمساك (فتح) بمقاليد قيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني. وكما هو معروف، الأنموذج، كما حدّده مؤرخ العلوم توماس كون، هو مجموعة الأفكار والممارسات التي تُستخدَم في حِقبة معيّنة لتفسير الظهور واتِّخاذ موقف أو رأي فيها، وبالتالي، تغيير الأنموذج يعني إنقلاباً في الأفكار والممارسات، كما حدث على سبيل المثال حين قلب غاليليو الفِكرة بأن الأرض ثابتة وهي مركز الكون أو حين أطاح أينشتاين بمفهوم الكوْن الميكانيكي الذي وضعه نيوتن. الأنموذج الفلسطيني الجديد يجب أن يتخطّى مشروع الدولتيْن، الذي سيْطر على جدول الأعمال الفلسطيني طيلة نَيف ونِصف قرن، والذي تبنّته فتح علناً وحماس ضمناً، كما يجب أن يتجاوز إستراتيجيتيْن متباينتيْن، ثبت عدم نجاعتهما معاً: الكِفاح المسلّح (عبر الصواريخ أساساً) للتحرير والكفاح التفاوضي لتحقيق التسوية. 3 مخارِج مشروع الدولتيْن (كما ألمحنا)، مات وانقضى الأمر وبات لِزاماً دفْن كلّ مفاهيم الأنموذج الذي انبثق منه هذا المشروع، بما في ذلك إستراتيجيتَيْ الكفاحيْن، المسلّح والتفاوضي، اللذين استهدفا إقامة دولة فلسطينية وِفق حدود 1967. والبديل؟ إنه يتلخّص في ثلاث: الهدنات والبناء والتعبِئة: 1- الهُدنات أوالتّهدِئات، مطلوبة هنا بكل أنواعها، وليس فقط مع إسرائيل، بل مع الذات أيضاً، أي بين الفلسطينين أنفسهم، وهذا ممكن إذا اعترفت حماس وفتح بالأمر الواقع المتعلّق بوفاة مشروع الدوليتيْن، وتحركتا نحو تجاوزه. 2- والبناء المقصود، هو بث الرّوح مجدّداً في منظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها المؤسسة الوحيدة التي أثبتت منذ تأسيسها عام 1964، ثم منذ انتقال زعامتها سِلماً من أحمد الشقيري ويحيى حمودة إلى ياسر عرفات، أنها قادِرة على لمِّ شعث الشعب الفلسطيني في الدّاخل كما في المنافي. 3- أما التعبِئة، فهي تتعلّق ليس فقط بإعادة حشد وتوحيد فئات الشعب الفلسطيني، بل أيضاَ بإعادة حشد وتعبئة الشعوب العربية وراء القضية الفلسطينية، استعداداً وانتظاراً لبزوغ موازين قِوى دولية جديدة ستُغيّر كل معايير ومستويات الصِّراع في الشرق الأوسط، وهي موازين آتية لا ريْب فيها، وقريباً. هل يعني كل ذلك دعوة إلى إدارة الظّهر للمقاومة على أنواعها؟ كلا البتّة. لكن هذا المرة ستندرِج هذه المُقاومة في إطار إستراتيجية عُليا تأخُذ بعيْن الاعتبار كل المُعطيات الفلسطينية والعربية والدولية الرّاهنة، وتكيّف أشكال المُقاومة (من العمليات العسكرية إلى الانتفاضات السلمية) على أساسها. إسرائيل، بكل أحزابها من اليمين والوسط واليسار (أو ما تبقّى من اليسار)، دخلت بنجاح مرحلة ما بعدَ مشروع الدولتيْن وبلوَرت خُططاً للمرحلة الجديدة، تترواح بين "الترانسفير" (ليبرمان) وضمّ نصف الضفة إلى الأردن ونصف غزة إلى مصر (ليفني) وإقامة "بانتوستات" اقتصادية لفلسطينيّي الضفة (نتانياهو)، ويبدو أن الأمريكيين أو بعضهم على الأقل، يستعدّون لهذه المرحلة أيضاً. فقبل نحو شهريْن، دعا السفير الأمريكي السابق (والصقر المحافظ الجديد) جون بولتون، إلى توزيع غزة والضفة الغربية على مصر والأردن وإسرائيل، وهذه في الواقع لم تكُن صاعِقة في سماء صافية، وثمة ثلاثة أدلة على ذلك. الدليل الأول وجُود أطراف نافِذة في الولاياتالمتحدة (البنتاغون والكونغرس ومراكز الأبحاث)، تدعَم بقوة هذه الخطّة، بزعامة دانييل بايبس، الذي يُطلق عليه اسم "الفارس الأسود"، بسبب تطرّفه الصهيوني. وقد لخّص هذا الأخير في أوائل عام 2008 (أي قبل سنة من حرب غزة) مبرِّرات هذه المقاربة بالتالي: - ياسر عرفات ثمّ محمود عباس، فشِلا في تحويل غزّة إلى سنغافورة جديدة وفي منْع صعود الإسلام الراديكالي فيها، ولِذا يجب التخلِّي عن فِكرة السيادة الفلسطينية على هذا القطاع. - على واشنطن والعواصم الغربية الأخرى، الإعلان بأن تجربة الحُكم الذّاتي في غزّة فشِلت، ثم القيام بالضغط على الرئيس المصري حسني مبارك لتقديم يَد العوْن، ربّما عبْر منح غزة أراضٍ مصرية إضافية أوحتى ضمِّ القطاع برمَّته إلى مصر، بصفته محافظة من محافظاتها. - هذه الخطوة الأخيرة ستكون منطِقية وبديهِية ثقافياً: فالغزّاويون يتحدّثون لكْنة عربية شبِيهة بتلك التي ينطق بها المصريون في سيناء، ولديهم علاقات عائلية مع سيناء أكثر من الضفة الغربية، وكذا الأمر بالنسبة إلى علاقاتهم الاقتصادية مع سيناء، وحتى حركة حماس الغزّاوية تجِد جذورها الحقيقية في جماعة الإخوان المسلمين المصريين، لا في الحركة الوطنية الفلسطينية. ويخلِّص بايبس إلى القول أن "تحويل هذه العلاقات غير الرسمية إلى علاقات رسمية عبْر ضمّ غزة إلى مصر، سيُحقق جملة أهداف دُفعة واحدة: 1 – وقْف الصواريخ على جنوب إسرائيل. 2 – كشْف الطابع الاصطناعي للوطنية الفلسطينية. 3 - كسْر الطريق المسدُود في العلاقات العربية الإسرائيلية. الدليل الثاني تبنِّي حزب اللِّيكود الحاكم لهذا المشروع بالكامل. وهذا واضح في برنامج بنيامين الانتخابي، الذي يدعو إلى استبدال شِعار "السلام لانهاض الاقتصاد" في فلسطين والشرق الأوسط، بشعار "الاقتصاد لتحقيق السلام"، وذلك عبْر نسْف طُموحات الفلسطينيين الوطنية من خلال ملء بُطونهم وتقاسُم الضفة مع الأردن. أما الدليل الثالث، فهو توافُر أطراف فلسطينية وأردنية تؤيِّد هذا التوجّه أو هذا على الأقل ما ينبِّئ به مشروع "المملكة الأردنية - الفلسطينية الهاشمية"، الذي كشفت عنه "وثيقة عوض الله - عريقات" خلال عام 2008، والذي يُفترض أن يتكوّن من شرق الأردن و90% من أراضي الضفة الغربية، ويقوم بتوطين ليس فقط لاجئي الضفة، بل أيضاً اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا. هل هذه الأدلة كافية؟ ليس تماماً؟ إذن، فلننْتبِه جيداً إلى التطوّرات في الغابة الإقليمية الكاملة، التي كانت وراء شجرة الحرب الإسرائيلية الأخيرة في غزة. بنيامين نتانياهو فصّل هذه الخطة الأخيرة على النحو الآتي: - لا حاجة إلى دولة فلسطينية. الأراضي ستُقسَم إلى مجموعة من المناطق الجغرافية - الاقتصادية المكرّسة لمشاريع رجال الأعمال تحت شعار: البحبوحة تحقّق السلام، لا السلام يحقق البحبوحة. - يُسمح للفلسطنيين بإدارة تجمّعاتهم السكانية في المدن والبلدات، لكن بقية الأراضي ستكون تحت سيطرة إسرائيل لأسباب إستراتيجية في إطار حِزام أمني - عسكري شامل. - التركيز الرئيسي للخطّة هو، وِفق تعابير نتانياهو، نقْل اهتمام العالم من مسألة الدولة الفلسطينية إلى قضية الصِّراع بين الإسلام الراديكالي والغرب، التي باتت لها الآن الأولوية القُصوى في جدول الأعمال العالمي. كاديما - العمل إذن، يريد تحويل الفلسطينيين إلى أشباه مُواطنين - بشر، فيما الليكود يسعى إلى جعلهم سِلعاً لفُرجة السياح الدِّينيين الأمريكيين وخَدماً لدى الأجهزة الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية - الأمريكية. فماذا يفعل الفلسطينيون في المقابل؟ أمرا واحدا: يُجنّون تمهيداً للانتحار، إذا ما تواصلت الانقسامات الراهنة. وبالطبع، هذا لن يكون انتحاراً ذاتياً فقط، بل قد يجر آخرين أيضاً إلى أتُونه. مَن هُم هؤلاء الآخرين؟ كل العرب. المصدر: سويس انفو