برلماني: الحفاظ على مصر على رأس أولويات لجنة الأمن القومي    محافظ أسوان يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد    وزير التعليم يكرم جامعة طنطا لإدراجها للعام الرابع على التوالي بتصنيف QS    لطلاب الشهادة الإعدادية .. رابط التقديم لمدراس المتفوقين STEM    تعرف على برنامج هندسة البرمجيات بكلية الحاسبات في جامعة حلوان    أحمد العوضي: الحفاظ على الأمن القومي على رأس أولوياتتنا في البرلمان    البنك المركزي: ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج بقيمة 2.7 مليار دولار    وزير الإسكان يُشارك نيابة عن رئيس الوزراء بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأهرام العقارى    «متنفس جديد للأهالي».. كورنيش وممشى «أهل مصر» بمدينة بنها    شعبة الأجهزة الكهربائية: توطين الصناعة وزيادة المكون يزيد من القيمة الاقتصادية    أخبار البورصة المصرية اليوم.. 18 مليار جنيه مكاسب سوقية في بداية التعاملات    محافظ أسيوط: إنشاء إدارة لتعظيم الاستفادة من فاقد الحملات الميكانيكية    محافظ القليوبية يشن حملة لإزالة الإشغالات في بنها    وزير الخارجية والهجرة: مصر قدمت 70% من المساعدات التي دخلت قطاع غزة    وزير الخارجية: عمل «أونروا» لن ينتهي إلا بعد حصول الفلسطينيين على حقوقهم    وزير المالية الإسرائيلي: حماس تنهار وتتوسل من أجل وقف إطلاق النار    حزب الأمة القومى السودانى: مؤتمر القاهرة فتح باب الحوار بين السودانيين    تشكيل الأهلي لمباراة اليوم أمام طلائع الجيش    الكومي: إبراهيم عادل وكوكا؟ لن يخرج أي لاعب من معسكر المنتخب الأولمبي    "يويفا" يكشف حكم مواجهة فرنسا وإسبانيا في يورو 2024    مواجهة جديدة بين الأرجنتين وكندا في كوبا أمريكا 2024    وزير الرياضة يكشف آخر مستجدات التحقيق في أزمة أحمد رفعت    قرار جديد من المحكمة في قضية رشوة وزارة التموين    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة تدريجيًا بدءًا من الغد    التصريح بدفن ضحايا "زفة عروس" بعد سقوط السيارة فى النيل    مرجعة ليلة الامتحان في الجيولوجيا للصف الثالث الثانوي علمي علوم pdf    نتيجة تنسيق رياض الأطفال بالرقم القومي 2024 محافظة الفيوم.. استعلم الآن    غرق شخص وإصابة آخر أثناء السباحة في أحد شواطئ مطروح (أسماء)    "تسبب في إصابة طالب".. ضبط المتهم بإطلاق عيار ناري أثناء حفل زفاف بالقاهرة    نجوم زمن الفن الجميل حاضرون في مهرجان العلمين.. اعرف الحكاية    طارق الشناوي: شيرين عبد الوهاب محتاجة طبيب نفسي وهذه نصيحتي لعمرو دياب    طارق الشناوي يكشف تطورات صادمة عن أزمة شيرين عبدالوهاب: تتعرض لعنف وسادية    القوى العاملة بمجلس النواب: المصريون ينتظرون الكثير من الحكومة الجديدة    28.6 مليون جنيه.. إجمالي إيرادات فيلم جوازة توكسيك في 5 أيام عرض (تفاصيل)    "القومي للحضارة" يحتفي بمرور 100 عام على أولى حفلات أم كلثوم    الكشف الطبي على 146 مريضا من غير القادرين بالفيوم    ينهي حياة زوجته ب"ماسورة" لسبب صادم في سوهاج    الحوار الوطني.. حلقة وصل بين الشارع المصري والحكومة    ماذا يحدث في أوروبا.. العمال يعودون واليسار يحكم باريس؟    الرئيس الصيني: نسعى لتسوية الأزمة الأوكرانية    طبيب يفجر مفاجأة حول علاقة الباذنجان بالجنان.. ما القصة؟    التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    ماجد المصرى يطلب الدعاء لزوجته بعد تعرضها لوعكة صحية ونقلها للمستشفى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 8-7-2024 في المنيا    صباحك أوروبي.. إعادة مباراة ألمانيا وإسبانيا.. مستقبل موراتا بعد يورو.. وصفقة فيورنتينا    الجارديان: إسرائيل متهمة بمحاولة تقويض اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة    الصحة العالمية تحذر من المُحليات الصناعية.. وتؤكد عدم فاعليتها فى خفض الوزن    حظك اليوم برج الجوزاء الاثنين 8-7-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    الأزهر العالمي للفتوى يوضح 4 فضائل لشهر المحرم.. «صيامه يلي رمضان»    احتفالات الأطفال بالعام الهجري الجديد.. «طلع البدرُ علينا»    «الشعبة»: 15301 الخط الساخن لهيئة الدواء لمعرفة توافر الأدوية بصيدلية الإسعاف    الدوما: سياسة ماكرون أثبتت فشلها على الصعيدين الداخلي والخارجي    بعد الإعلان رسميا.. طريقة التقديم للوظائف الشاغرة في الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة 2024    دعاء في جوف الليل: اللهم يا صاحب كل غريب اجعل لنا من أمورنا فرجًا ومخرجًا    الزمالك: حصلنا على الرخصة الأفريقية.. وكان هناك تعاون كبير من المغربى خالد بوطيب    هل العمل في شركات السجائر حرام؟ مبروك عطية يجيب (فيديو)    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلتي جزاء الزمالك أمام الإسماعيلي    شعبة الأدوية: رصدنا 1000 نوع دواء ناقص بالصيدليات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطالبان الجدد .. والناتو العجوز
نشر في المصريون يوم 31 - 10 - 2009

الهجوم الذي حصل أخيرا على بيت ضيافة تابع لمنظمة الأمم المتحدة في العاصمة الأفغانية كابول وهي المعنية بشكل أو بآخر بالانتخابات الرئاسية الأفغانية يشكل نقلة نوعية مهمة وخطيرة في التكتيك العسكري الطالباني الذي لم يعهد مثل هذه التكتيكات من قبل، وإن كانت طالبان تمكنت من اجتراح أساليب وتكتيكات عسكرية عدة في الفترة الأخيرة مستنسخة ، وربما متعلمة من أساليب وتكتيكات عسكرية عراقية في السابق، مثل العبوات الناسفة الفاعلة، وكذلك العمليات الانتحارية التي بدأها القائد العسكرية الطالباني داد الله،إلا أن أسلوب الهجوم على بيت ضيافة بهذا الشكل سابقة مهمة وخطيرة على الوجود الغربي في أفغانستان ....
اللافت أن حركة طالبان على الفور تبنت الهجوم وربطته بحملة مكثفة بدأتها من أجل عرقلة ومنع حصول الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الأفغانية التي أثارت جدلا كبيرا وواسعا وسط العالم الغربي الذي عجز عن توفير انتخابات رئاسية بين حلفائه الأفغان من أمثال حامد كارزاي والدكتور عبد الله عبد الله، وهو ما أرسل رسالة واضحة في أن طالبان تسعى إلى توظيف هجماتها المسلحة سياسيا من أجل التلاعب بالرأي العام الغربي، وهو ما يدحض تلك الصورة النمطية غربيا عن طالبان من أنها تقاتل دون توظيف أو هدف سياسي..
التصرف الطالباني هذا على ما يبدو تطبيق حرفي لتعريف ماو تسي تونغ في أن حرب العصابات في حقيقتها إنما هي حرب سياسية والجانب العسكري يتم استخدامه بغية تعزيز القرار الذي تم كسبه على الأرض في الجانب السياسي، وبالمعنى الأوسع لماو تسي تونغ فإن المبدأ العسكري يتضمن ستة مكونات: ثلاث منها محسوسة، وثلاثة غير محسوسة أما المحسوسة فهي السلاح والإمداد والقوة البشرية، وأما غير المحسوسة فهو الوقت والمكان والرغبة، برزت حينها مشكلة ماو العسكرية، وهي كيف يمكن تنظيم المكان ليخدم الوقت، وتنظيم الوقت، ليخدم الرغبة القتالية، ولم تكن مشكلة ماو في تفكيره بحرب العصابات تكمن في إنهاء الحرب بقدر ما هي إبقاء الحرب مستعرة ..
لقد ظل المجاهدون الأفغان يقاتلون طوال عشر سنوات متتالية الدب السوفياتي ولكن بتكتيكات تقليدية معروفة ومعهودة للمحتل السوفياتي من الكر والفر دون اللجوء إلى تكتيكات العمليات الانتحارية أو الخطف وعمليات الاقتحام المباشرة كما حصل على بيت ضيافة الأمم المتحدة ولا حتى العبوات الناسفة الفاعلة ..
تزامن الهجوم على بيت ضيافة الأمم المتحدة أيضا مع صور خاصة بثتها قناة الجزيرة عن تدريبات يجريها مقاتلو حركة طالبان الأفغانية على اقتحام المباني الحكومية الأفغانية وقتل الحراس، وتفجير نقاط الحماية ثم أخذ رهائن وهو أسلوب أيضا جديد على الأفغان، ويعكس مدى العمق الخطير في تغير البنى الفكرية والعقلية الأفغانية في السنوات الماضية منذ الوجود الأميركي في أفغانستان، ومثل هذا التغيير لا يمكن أن يتم في ظرف ساعة أو أيام وإنما جاء بناء على تغيير تراكمي في العقلية، بالإضافة إلى حالات الاحتكاك التي حصلت لمقاتلي الحركة مع مقاتلي القاعدة ومقاتلي طالبان باكستان وربما الأوزبك وغيرهم...
ومن المصادفات أن تأتي هذه التطورات مع استقالة أول موظف أميركي في أفغانستان احتجاجا على السياسة الأميركية هناك فقد كتب ماثيو جوز الموظف في الخارجية وضابط سابق في البحرية المستقيل يقول:" لم أعد أفهم ما يجري ، لقد فقدت ثقتي بالأهداف الاستراتيجية للوجود الأميركي في أفغانستان، ولدي شكوك وتحفظات بما يتعلق باستراتيجيتنا الحالية وخططنا المستقبلية لاستراتيجيتنا هذه ، لكن استقالتي مبنية ليس على كيفية مواصلتنا للحرب وإنما لماذا الحرب ؟؟ وإلى أية نهاية؟؟."
وبينما تتحدث وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في لاهور عن فصل قيادات القاعدة وطالبان عن القواعد، والحوار مع القواعد التي تؤمن بالعملية " الديمقراطية والدستور" كانت القوات الأميركية قد أخلت تماما ولاية نورستان الأفغانية للمتشددين الطالبانيين والقاعدة حسب الوصف الأميركي، لتكون بذلك نورستان أول ولاية أفغانية تقع كاملة بأيدي مقاتلي طالبان والقاعدة، فالقائد الطالباني المعروف هناك ضياء الرحمن لديه علاقات وطيدة مع أسامة بن لادن، وسط حديث عن إمكانية اختفاء الأخير في تلك المنطقة الجبلية شديدة الوعورة ، وهو ما يؤكد على التخبط الأميركي في التعاطي مع الشأن الأفغاني وهو ما دلل عليه الموظف الأميركي المستقيل ..
الظاهر أن مقاتلي حركة طالبان يسعون وبقوة إلى تسجيل أعلى خسائر أميركية ودولية في شهر اكتوبر / تشرين أول/ الجاري كونه الشهر الذي وقع فيه الغزو الأميركي لأفغانستان قبل ثماني سنوات بينما كان شهر آب/ أغسطس الماضي هو الأعلى في حصيلة القتلى طوال السنوات الماضية إذ بلغ عدد قتلى الأميركيين واحدا وخمسين في حين بلغ عدد قتلى الأميركيين حتى 27 من شهر اكتوبر ثلاثة وخمسين قتيلا ..
كل ذلك سيشكل تحديا خطيرا للناتو والأميركيين في أفغانستان، كون خصمهم ليس بذاك الخصم التقليدي الذي عهده الاتحاد السوفياتي والذي ظل وفيا لعقلية أفغانية تقليدية لا تقبل التجديد ولا التطوير أو ابتكار وابتداع الأساليب والاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية التي تفاجأ الخصم، وهي عقلية يسهل التعامل معها ما دامت مبرمجة على شكل وطريقة وأسلوب واحد محدد ...
على هذه الخلفية كان لا بد للطرف الآخر وهو الأميركي والناتو أن يأخذ كل هذه المعطيات وهذه التغيرات في الحسبان، وهو باعتقادي ما يجري بهدوء تحت سطح العالم الغربي، إذ بدأ بعض عقلائه يفكر بجدية في الانسحاب من أفغانستان والتعاطي مع حركة طالبان الأفغانية شريطة أن تفك تحالفها مع القاعدة، وتضمن ألا تكون أفغانستان المستقبل قاعدة لانطلاق القاعدة في نشاطات معادية للغرب ولجيرانها.. ولكن سيدرك هؤلاء أيضا ربما بعد لأي من الزمن أنه مثلما تأخروا في الحوار مع طالبان فقد تأخروا في الحوار مع القاعدة، إذ أن الحروب التاريخية لم تنته بالسلاح، وخاصة الحروب التي امتدت لسنوات، سيما وأن حرب العصابات إذا استغرقت أكثر من ثلاث سنوات فإن الطرف النظامي خاسر لها، وأن طرف رجال العصابات هو الذين كسب الجولة بقدرته على امتصاص الضربة الأولى والتهيؤ لاجتراح التكتيكات والأساليب التي تناسب الخصم النظامي المهاجم ..
قرار قادة النيتو أخيرا باتباع نهج جديد للتعاطي مع الوضع الأفغاني وتمنّع دول عن إرسال قوات إضافية إلى أفغانستان، واستعداد أخرى للانسحاب من مقبرة الإمبراطوريات العام المقبل أو الذي يليه.. ودعوة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى إشراك عناصر طالبانية في الحكومة، وتمييز بعض المسؤولين الأميركيين بين القاعدة وطالبان كلها تشير إلى حقيقة واحدة أن الغرب يستعد للرحيل عن أفغانستان، لكن بالمقابل يسعى بقوة إلى تصدير كل هزيمته إلى باكستان تجلى ذلك بوضوح في الإخلاء المفاجئ لعشرات نقاط التفتيش المنتشرة على طول الحدود الباكستانية الأفغانية وهو ما سهل بنظر المصادر العسكرية الباكستانية عودة عكسية لعناصر طالبانية وقاعدية للمشاركة في عمليات وزيرستان الجنوبية ضد هجمات الجيش الباكستاني ..
لا أدل على الهزيمة الماحقة للغرب في أفغانستان من الهزيمة العسكرية التي تحذر من مخاطرها القيادات الغربية على حلف الناتو وعلى مستقبل الغرب برمته كقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية، يقابله تهليل صيني خفي لما يجري، لكن بالمقابل لا يود الغرب أن يخرج من المعركة الخاسرة دون أن يدفع باكستان إلى شفير الهاوية متهما إياها بالمسؤولية عن هزيمته في أفغانستان من خلال صمتها أو رعايتها أو عجزها على التعاطي مع ظاهرة المسلحين الطالبانيين في وزيرستان والذين كانوا بمثابة قواعد إسناد وإمداد حقيقية للمقاتلين في داخل أفغانستان ..
المثير للسخرية أن تقرير كريستال الذي يدعو إلى جوانب إنمائية وإعمارية كان ينبغي أن تكون قبل ثماني سنوات، وهو ما لم يحصل، فالأميركيون مهمومون بزيادة عدد قواتهم لتصل كما يرغب كريستال إلى مائة وأربعين ألف جندي ليضاهوا بذلك الوجود السوفياتي في أفغانستان إبان ذروته، وبالتالي فهم معنيون بنصر سريع وعاجل ورخيص وهو ما يتناقض مع الواقع والتاريخ، وبالتالي سيظلون يدفعون الثمن ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.