عندما جاء أوباما إلي السلطة أشاع جواً من التفاؤل أساسه الصورة البشعة التي رسمها سلفه للولايات المتحدة في العالم من ناحية، والصورة المشرقة التي بشر بها أوباما من ناحية أخري والتي تقوم علي أساس تصحيح الموقف الأمريكي مع مناطق العالم وخاصة العالم الإسلامي والإهتمام الفوري بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي وإبداء الاحترام الواجب للقانون الدولي وحقوق الإنسان وخاصة تصفية معسكر جوانتانامو الذي أصاب سمعة الولاياتالمتحدة الأخلاقية والقانونية. ولكن الحقيقة التي تبدت بعد ذلك هي عكس ذلك تماماً. فقد تردد أوباما في إغلاق جوانتانامو، ولم تغير الولاياتالمتحدة موقفها من المحكمة الجنائية الدولية رغم أنها توظف هذه المحكمة لخدمة أغراضها، وهو الموقف المعادي المعروف الذي صدر بشأنه قانون الكونجرس عام 2002 يوم بدء المحكمة لعملها ويسمي حرب لاهاي ويعني أن بداية عمل المحكمة هو إعلان حرب علي الولاياتالمتحدة بسبب كثرة جرائم السلطات الأمريكية، كما فسر القانون علي أنه إعلان حرب من جانب واشنطن علي هذه المحكمة رغم مشاركة واشنطن في صياغة نظامها الأساسي في مؤتمر روما. أما موقف وشنطن من قضية تغير المناخ والبروتوكولات التي تعالجه فلم يتغير هو الآخر. بل إن واشنطن في عهد أوباما قد سجلت علي نفسها بما يكفي أنها شريك في جرائم إسرائيل. ولعلنا نذكر أن محرقة غزة التي وقعت بين السابع والعشرين من ديسمبر 2008 والثامن عشر من يناير 2009 قد وقعت في الأيام الأخيرة من عهد الرئيس بوش ورفض الرئيس أوباما التعليق عليها حتي تولي السلطة في 19 يناير 2009 فسجل أوباما موقفاً بالغ السوء يناقض تماماً ما بشرنا به في حملته الانتخابية وفي تصريحاته وفي خطابه الشامل في جامعة القاهرة في الرابع من يونيو 2009 والذي كان قد خدر به العالم الإسلامي. صحيح أنه بادر في اليوم التالي لتوليه السلطة إلي تعيين مبعوث خاص للبحث في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي ولكن هذا المبعوث لقي من إسرائيل ما لا يشرف الولاياتالمتحدة في علاقاتها العربية والإسلامية ثم قام الرئيس بوش بمباركة محرقة غزة مثلما قام بتهنئة أبو مازن علي نجاح الأمن الفلسطيني في رام الله بقتل اثنين من مجاهدي حماس حيث كانت إسرائيل تطاردهما منذ سنوات فمكنت إسرائيل السلطة من قتلهما. وقال أوباما في تهنئته أنه سعيد بنجاح التعاون الأمني بين إسرائيل وأبو مازن في مكافحة الإرهاب الفلسطيني أي المقاومة. من ناحية أخري عارضت الولاياتالمتحدة في المحاكم الدولية كل إدانة لإسرائيل رغم الإذلال الإسرائيلي للولايات المتحدة في فلسطين، فعارضت واشنطن إنشاء لجنة جولدستون وحاولت عرقلة عملها وبعد صدور تقريرها حاربت التقرير في كل موقع ومارست ضغوطا رهيبة علي أعضاء مجلس حقوق الإنسان حتي لا يعتمد التقرير، ثم قام الكونجرس الأمريكي بإصدار قرار بأغلبية ساحقة يرفض فيه التقرير ويتهمه بالتحيز ضد إسرائيل .أما القدس وهي كعبة المسلمين الأولي فيتم تهويدها وهدم الأقصي بمباركة أمريكية وهذه هي رسالة السلام والمحبة التي أرسلها أوباما إلي العالم الإسلامي .فإذا كان العبث الأمريكي في القدسوباكستان وأفغانستان والعراق والصومال ودارفور مستمراً فهل يظن أوباما أن هذه المناطق تقع في أوروبا وليس في قلب العلم الإسلامي؟ وماذا أضافت رسالته المبشرة التي أكد فيها عزمه علي فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي؟ وكيف أصابه العجز الأخلاقي عندما يدعم حق إسرائيل في قتل الفلسطينيين وإبادتهم ويتحدث في نفس الوقت عن العدل والقانون والإنصاف في العلاقات الدولية. فلماذا يشجع أوباما إسرائيل علي جرائمها ويدافع عن هذه الجرائم ويحول دون محاكمة إسرائيل وقادتها علي هذه الجرائم؟. وهل يكفي أن نفسر ذلك في ضوء إحياء أوباما للتقليد الأمريكي المتحيز تماماً لإسرائيل أم أن أوباما يدرك بخبرته القانونية الأكاديمية بأن محاكمة إسرائيل سوف تجر إلي محاكمة الولاياتالمتحدة ،فالمساهمة الإجرامية لواشنطن ربما أهم من دور الفاعل الإسرائيلي لأنه بغير ضمان هذه المساندة العسكرية والمادية والحماية الدبلوماسية والقانونية لترددت إسرائيل مرات في إرتكاب هذه الجرائم، بل إن أوباما يبرر سياسة الاغتيالات الإسرائيلية التي يدينها القانون الدولي كما يدافع أوباما عن نشاط الطائرات الإسرائيلية بدون طيار التي تفتك بالفلسطينيين لأنه يقوم بنفس العمل الإجرامي في باكستان وأفغانستان، ويمعن في توريط الجيش الباكستاني حتي تنهار الدولة الإسلامية الأولي في العالم وتتولي إسرائيل الإشراف علي قدراتها النووية وتسلمها لقمة سائغة لأعدائها. لقد أصبح واجباً أن نضم واشنطن وبعض الدول الأوروبية التي ساندت محرقة غزة عسكرياً وساهمت في حملة التبريرات السياسية إلي قادة إسرائيل في تقرير جولدستون ولذلك أناشد المنظمات الحقوقية في أوروبا والولاياتالمتحدة أن تقوم برفع دعاوي ضد الحكومات الألمانية والفرنسية والهولاندية والبريطانية والإيطالية داخل هذه الدول بتهمة التواطؤ في ارتكاب هذه المحرقة. كما يجب أن ترفع دعاوي أمام القضاء الأمريكي ضد رموز الإدارة الأمريكية وأن يتم توثيق تصريحات وتعليقات القيادات السياسية في هذه الدول والمؤيدة لهذه الانتهاكات الخطيرة لأحكام القانون الدولي. وقد يضاف إلي ذلك جرائم هذه الحكومات عندما تسترت علي إنشاء المخابرات الأمريكية لسجون سرية خدعة للشعوب الأوروبية حتي تجري فيها عمليات التعذيب لمعتقلي جوانتانامو والملف الأسود الذي قدمته لجنة التحقيق من البرلمان الأوروبي ضد هذه الحكومات.