( 1 ) ما أحوج المجتمع الإنساني للأخلاق، فلا يمكن أن تنشأ حضارة أو تقام نهضة أو أن يحدث تعايش بين البشر في المجتمعات بلا أخلاق، وعندما يفقد مجتمع ما الأخلاق يتحول من تلقاء نفسه إلى غابة لا تحكمها قيم أو معايير ثابتة، من أجل هذا ركز الدين على قيمة الأخلاق فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.. مستخدما اداة القصر ليقصر الدين الذي هو أغلى ما يعتنقه الإنسان في أخلاقه! ووصف الله تعالى نبيه وأثنى عليه فقال تعالى( وإنك لعلى خلق عظيم).. وقال الشاعر: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا ولا توجد مهنة أو ممارسة إنسانية في حياة البشر لا يوجد لها اخلاق، فنسمع في مجال المهن عما يعرف باخلاق المهنة، وفي مجال الرياضة مثلا عن الأخلاق والروح الرياضية.. بينما تظل السياسة في أذهان الناس سيئة السمعة في الجانب الأخلاقي.. ويظن الناس أن السياسيين ما هم إلا مجموعة من الأفاقين منعدمي الضمير والقيم والمبادئ.. والحقيقة أن السياسة نشاط بشري يحتاج إلى الأخلاق اكثر من أي نشاط بشري آخر، وفي التراث الإسلامي نشأ مصطلح اسمه السياسة الشرعية أصبح بابا من أبواب الفقه وعلم من علوم الدين فقال العلماء: فالسياسة الشرعية بشكل عام هي تطبيق لأحكام الشرع فيما ورد فيه نص، ومراعاة المصالح ودرء المفاسد فيما ليس فيه نص... فكيف يخصص الدين بابا من أبوابه لنشاط بشري لا أخلاق فيه؟! إن أخلاق الإنسان هي جزء لا يتجزأ ولا ينفصل عن ذاته وكيانه، فلا يمكن أن يكون الإنسان ذو خلق معين كالصدق أو الأمانة أو الصبر عندما يمارس عملا معينا ثم يفقد هذه الأخلاق عندما يتحول إلى ممارسة نشاط بشري آخر كالسياسة.. والحقيقة ان ممارسة السياسة على وجه الخصوص تحتاج إلى مستو أرفع من الأخلاق، لأن السياسة هي قيادة أمر الناس، والعاملون بها هم القائمون على أمر الناس، والمتصدون للعمل العام سواء كان ذلك طوعيا كالأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والناشطين السياسيين، أو كوظيفة مثل المسؤولين التنفيذيين بالدولة ( كرئيس الجمهورية والوزراء والمحافظين وغيرهم)، يحتاجون إلى أخلاق وقيم أصيلة يعاملون بها الناس ويتعاملون بها معهم.. لذلك فلا يتصور وجود سياسة ناجحة تقود أمر مجتمع راق، ودولة محترمة، وأمة متقدمة، بلا قيم وضوابط أخلاقية حاكمة.. السياسة إذن – رغم كونها – سيئة السمعة أحوج ما تكون إلى الأخلاق.. ونحن إذ نمارس عملا سياسيا فإننا ندعوا بداية إلى مصطلح ( السياسة بالأخلاق).. لنجعله حقيقة واقعة في حياة الناس، نستنقذ به سمعة السياسة مما علق بها، ونتخلص به في ذات الوقت من الأخلاقيات والسلوكيات والممارسات الشائنة التي ارتبطت بالسياسة وما هي من السياسة وإنما هي من سوء الخلق وفساد النفس والمنظومة التي تمارسها.. فممارسة السياسة بالأخلاق عليها أن تتخلص من ممارسة الكذب والخداع والمكر السيء وإلصاق التهم بالمنافسين، وعدم الشفافية والوضوح مع المواطنين، واستغلال النفوذ، والتبرير، والتزييف، والمهاترات، والاستقطاب الحاد والتعصب البغيض، وتأخير مصلحة الوطن العليا وتغليب المصالح الضيقة شخصية أو حزبية أو فئوية، والمزايدة على الناس، والمتاجرة بآلام الشعب.. كل هذه ممارسات يجب أن ننزه العمل السياسي عنها ونحن نعمل لتحقيق مصطلح السياسة بالأخلاق.. ومن خلال هذه السلسلة نتناول مجموعة من الأسس والضوابط نحو تفعيل مصطلح السياسة بالأخلاق نموذجا وميثاق شرف اخلاقي يجب على كل ممارسي السياسة في مصر الالتزام به إذا كنا حقا نعلي مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.. وسنبدأ بمعالجة ضابط الموضوعية كأساس ومدخل لهذه القيم الأخلاقية الحاكمة لممارستنا السياسية.. علاء سعد حميده عضو رابطة الادب الاسلامي العالمية أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]