أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، السيدات والسادة،إن الأمة الإسلامية العظيمة تعقد علينا الآمال الكبار للتغلب على التحديات التي تواجهها و تدعونا لتعظيم الاستفادة من الموارد والإمكانات التى تزخر بها بلادنا ... ومن ثم، فقد آثرنا أن يكون موضوع قمتنا اليوم... هو"العالم الإسلامي: تحديات جديدة وفرص متنامية " ولعلكم تتفقون معى على أن الموارد العظيمة لأمتنا وقدراتها الكامنة لا تتناسب بحال مع واقعها الحالي و هذا ما يعكس بوضوح جسامة المهام الملقاة على عاتقنا ... فبلادنا تشغل سدس مساحة اليابسة ويقطنها ربع سكان الأرض تقريباً ... كما تمتلك أكثر من نصف احتياطيات العالم من النفط والغاز ... وتزخر بالموارد والثروات الطبيعية ... والأهم من ذلك كله بالشباب الواعد الذين هم أملنا في واقع متميز و مستقبل مبشر يمثلون أكثر من نصف تعداد الأمة. لكن الواقع يشير فى ذات الوقت ... وعلى المستوى الاقتصادى ... إلى أننا لا نُسهم إلا بنصيب متواضع فى الناتج المحلى الإجمالى العالمى ... وبنصيب أكثر تواضعاً فى مجالات البحث العلمى والابتكار ... ويقل متوسط معدلات المُسجلين بمراحل التعليم المختلفة فى دولنا عن المعدلات العالمية، بل إنه يقل أيضاً عن معدلاته فى الدول النامية غير الأعضاء ... و ترتفع نسبة من هم دون خط الفقر فى بلداننا إلى 38٪ فى عام 2011 ... وما تزال إحدى وعشرون دولة من دول منظمتنا ضمن الدول الأقل نمواً فى العالم ... ومثلها : ضمن الدول الأقل فى مستوى التنمية البشرية.مة لابد من الإشارة هنا ومن واقع مسئوليتنا جميعا إلى أن هناك قضايا كبرى تتعلق بحاضر ومستقبل عالمنا الإسلامى ككل ينبغي معالجتها - إضافة إلى الأزمات والمشكلات التى تعترى بعض الدول والأقاليم - ولعل من أبرزها ما يلى: أولاً: المعضلات الناشئة عن القصور فى النواحى التعليمية والثقافة الدينية وتراجع قدرة المجتمعات على توفير التنشئة الدينية السليمة التي هي السبيل الوحيد لمواجهة جذور التطرف و العنف الذي أحيانا ما يظهر ليهدد أمن مواطنينا و استقرار مجتمعاتنا و التنمية في دولنا. ثانياً: الصورة السلبية عن الإسلام والمجتمعات الإسلامية : فبرغم إقرارنا بأن هناك أطرافا خارجية لها أغراضها الخاصة ساهمت في رسم تلك الصورة المشوهة ... إلا أن دولنا تتحمل دون شك نصيبها من المسئولية فى ذلك ... و علينا أن نكثف جهود منظمتنا لتصحيح تلك الصورة بما يمنع الإساءة إلى ديننا الحنيف و يعرف بقيمه الإنسانية الحضارية السامية ... ثالثاً: في ذات الإطار، يعاني عدد من الجاليات المسلمة فى دول عديدة من ظاهرة الإسلاموفوبيا أي كراهية الإسلام أو الخوف المرضي من الإسلام و هو ما يدعونا لمناقشة الأمر بما يستحقه من اهتمام كبير مع شركائنا فى المجتمع الدولى إذ أننا نشعر جميعا بالقلق العميق لما تتعرض له الأقليات المسلمة في عدد من بلاد العالم و نعتقد أن المطالبة باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية لكل بني البشر إنما هي مبادئ عالمية مًستقرة ومُتفق عليها و إن احترام حقوق الأقليات هو معيار حقيقي لحضارة الأمم و الشعوب ... وقد قطعت منظمتنا فى هذا المجال شوطا ينبغى البناء عليه : فباسمكم جميعا أدعو دول العالم ومؤسساته الدولية إلى اتخاذ الإجراءات وإصدار التشريعات اللازمة ... لمواجهة كل محاولات إثارة الكراهية والتمييز والعنف ضد الأشخاص بسبب خلفياتهم العرقية أو العقائدية. رابعاً: تعزيز وتفعيل الحوار والتفاهم بين العالم الإسلامى وبين الدول والتجمعات الأخرى على نحو يضمن تحقيق الاحترام المتبادل ويجسر هوة الثقة بينها ..... فلقد عانينا مرارا من جراء ضعف آليات الحوار القائمة بين الأطراف المختلفة أو عدم فعاليتها ... كما اكتفينا مراراً بالتألم لوقوع قتلى وجرحى جراء الاحتجاجات على أفعال مشينة تُسئ لمقدساتنا ... وقد كان الأجدر بنا أن نتقي جميعا تلك الشرور من خلال الحوار الهادف . خامساً: ضرورة التصدى للفتن المذهبية والطائفية على صعيد الأمة من خلال الحوار والتثقيف ... لأن تلك الفتن، إن لم نُخمدها سوياً، فإنها سوف تسرى فى جسد الأمة .. وقد تفلح لا قدر الله، فى تحقيق ما فشل أعداء الأمة فى تحقيقه من خارجها ... وإنني إذ أشيد بما اتفقنا عليه خلال قمتنا الاستثنائية الأخيرة بمكة المكرمة بإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية فى الرياض … فإننى أؤكد أيضاً أنه من دواعى فخر مصر أن أزهرها وعلماءها كانوا وسيظلون، إن شاء الله، رافعي لواء العلوم الإسلامية، فى سبيل احتواء خطر الفتنة ونشر صحيح الدين فى كل بقاع العالم الإسلامي. سادساً: وأخيراً، فإن ما تعانيه بعض دول أمتنا من أوضاع اقتصادية أو إنسانية صعبة سواءً بسبب خلل هيكلى أو جراء كوارث طارئة ... يستدعى النظر فى تطوير منظومة الإغاثة القائمة و إعادة هيكلة الصناديق الإغاثية للمنظمة بما يضمن تنميتها و زيادة فعاليتها والتفكير فى وضع آليات للإنذار المُبكر تضمن المساهمة فى منع أو معالجة آثار مثل تلك الكوارث.. هذا بالإضافة إلى.الاتفاق على تشكيل آلية تنسيقية بين الجمعيات الإغاثية و مؤسسات المجتمع المدني داخل الدول الأعضاء لتوجيه جهودها و رفع كفاءتها مع كل التقدير و الاحترام لما هو قائم من جهود .