كتب كثيرون فى موضوع الغزو الفكرى وخطورته على العقل المسلم، ووضحوا أن سبب الألم الذى يعتصر العالم الإسلامى من شدته، هو انخداع كثير من العامة بتقدم الغرب وازدهار حضارتهم؛ والحقيقة المؤكدة من التاريخ وباعتراف كبار مفكريهم أن الغرب صنع تأثيرًا كبيرًا على المسلمين فى أوطانهم، وذلك حينما اقتلعهم من قواعدهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبإثارته الدائمة لفكرة النقص والتخلف الثقافى فيهم، وكان ذلك بعدما تمكن من السيطرة الإعلامية التى أشرت إليها من قبل بإيجاز مختصر، ولكننى تيقنت أنها أخطر الأسلحة التى يحارب بها الآن. لقد سخر الغرب كل طاقاته الإعلامية للتحقير والتنفير من الإسلام، وذلك خوفًا من أن يصل هذا – الإسلام - إلى السلطة بشكل مباشر، وأقصد تطبيق السياسة الشرعية فى الشئون الدستورية والخارجية والمالية؛ لأن الإسلام في - رأى الغرب - يشكل خطرًا على الديمقراطية، بمعنى أنهم لا يتقبلون أى حضارة أخرى لمجرد أنها لا تنضوى تحت لواء أفكار وعباءة الحضارة الغربية؛ لأنهم لا يتخيلون عالمًا له مستقبل أفضل من عالمهم، ولهذا يريدون أن يسير العالم الإسلامى وفق نظامهم ونموذجهم الأسير الذى يفرضونه جبرًا على الآخرين؛ إلى هذا الحد بات العدو يراقب عن كثب محاولات تنفيذ الإسلام السياسى فى بعض الدول، ليكون أول من يهاجم ذلك المشروع؛ مصوبًا نحوه طلقات التشكيك فى نوايا ممثليه، ليحمل الفكر الإسلامى ورجاله على صورة كريهة، ومظهرًا لقيم بالية تجاوزها الزمن، وأصبحت فى عداد الماضى البغيض الذى يمتلئ بالتخلف والبداوة والرجعية الممقوتة. المتابع جيدًا لحلقات هذا المسلسل التآمرى المستمر يوميًّا ببطولة إعلاميى العهد السابق، وقصفهم الدائم لجماعة الإخوان المسلمين، يوقن حقًّاً أن هذا الهجوم السافر لم يكن وليد الصدفة، ولا جاء عفو الخاطر، ولكنه ظهر ليكون امتدادًا لمخطط التحالف الغربى مع الصهيونية العالمية ودولتها إسرائيل وفق برامج معدة بإتقان، متشدقة ببعض من الشعارات مثل الحيادية والشفافية والمصداقية، لكى تخطف الأنظار إليها؛ وحينها تبدأ فى تنفيذ مهمتها، وهى رسم صورة مرعبة لكل من يقول بأن – الإسلام - دين ودولة، معللين بحجة واهية أن هذا الدين لا يناسب وضعية العصر ومواكبة أحداثه، ولا يصلح للمشاركة فى صنع الحضارة؛ لأنه معطل لحركة المدنية المعاصرة، ومن ثم يكون التركيز على جانب الشخصية المسلمة البسيطة التى لا تفقه عن الإسلام، إلا أنه جملة من العبادات والأخلاق، وبالتالى حينما تشاهد وتسمع تلك العبارات تتأثر سلبيًّا وتصاب بعدم التمييز بين من يحمل إليها الخير والنهضة وممن يسوق إليها الفساد فى صورة التطور، وبهذا ينهار كيانها ويضعف تدينها؛ وذلك لأن تلك الفئة لا تعلم أن الإسلام يشمل كل مناحى الحياة؛ سياسية كانت أو اجتماعية، وبهذا الشكل يظهر لعديد من العامة أن الطامحين فى تنفيذ هذا المنهج الإسلامى ما هم إلا شبح أتى من كهف التاريخ. ولم يكتفِ الإعلام بما كان يذيعه فى عهد المخلوع عن - التيار الإسلامى - من لصق التهم والشائعات التى رسخت فى نفوس الكثير ذلك الافتراء الباهت بأنهم عديمو الكفاءة وإرهابيون، وأنهم خطر على الأمن القومي؛ ولكن ما زال يصر على ذلك التضليل حتى بعد قيام الثورة، ولو أن هناك عقلاً كيسًا فطنًا لاكتشف السر خلف سلاسل التلميع الإعلامية المتتالية لكل من يهاجم التيار الإسلامى الذى يشتكى ضعف إعلامه، إن الأمر فى غاية الوضوح تلك القنوات الخاصة لا تستطيع إلا أن تنفذ سياسة الإقصاء مع كل من سيعرقل مصلحة المالك؛ أى أنها "عرائس ماريونت" بين أصابع رجال الأعمال، لعلم هؤلاء بتأثيره فى تحديد اتجاهات الرأى العام، إذن يتضح أن الإعلام سلاح ذو حدين، يكون دائمًا لما وظف له. ولكم أتمنى أن تكون تلك الوسيلة أداة للإصلاح والدعوة بالحكمة والنقد البناء والتوجيه الهادف، وأن يُستغل هذا التطور الإعلامى فى إنقاذ الناس من ظلم هؤلاء الرأسماليين الوحوش الذين ينهبون ثروات وخيرات الشعب الجائع المحروم، ولو استشعرت تلك النخبة بالمسئولية فى كل كلمة تقال لاستضاءت الأرض من جديد، وتحقق لها الأمن المطلوب حتى تنعم الإنسانية بظلها الوافر، ولعاد إلى أحضانها العدل الغائب الذى يئن من الفراق والهجرة.