الغوغائيُّ إنسان متجرّد من الثوابت، يملك نفس محبطة ثائرة على ذاتها وعلى من حولها، عاطفتة متقلبة، وذكاءه محدود ومعلوماته ضحلة، يشعر بسخط دفين تجاه المجتمع نتيجة لتراكم الإحباط وقلة تقدير الآخرين لشخصه. صعب أن تشعر بوجوده في أحوال الحياة العادية ولكن تجده في بؤرة الصورة عند التحولات الكبرى وفي لحظات الأمم الفارقة نظرا لما يصاحب تلك اللحظات دائما من ضعف لسلطة الدولة وغياب لسلطة الردع والعقاب، فيجد هؤلاء فرصتهم وينطلقوا لتدمير مجتمعهم بغير رحمة. الغوغاء كما وصفهم علي ابن أبي طالب هم "أتباع كلِّ ناعق ويميلون مع كل صائح" فهم لا يبنون مواقفهم على الحقائق ولكن على الانفعالات، ولا يمكن لهم أن يتحركوا من أنفسهم بل لابد من محرض خارجي يفتح أمامهم الأبواب للانفلات ويؤمنهم من العواقب. أنها علاقة تبعية تعرف في السياسة بالديماجوجية تقوم على استخدام طرف ما لمشاعرهم وتخوفاتهم لإشعالها ثم توجيهها لتصفية حسابات سياسية أو لشحذ التأييد لنفسه في تنافس أو صراع سياسي. وهم لا يريدون في المقابل إلا استشعار لذة ومتعة التخريب والتدمير وإراقة الدماء وانتهاك الأعراض. لم تكن العشرات التي ماتت في مباراة لكرة القدم العام الماضي ببورسعيد إلا ضحية لانفجار الغوغاء بعد تشجيع خبيث من الشرطة وبعض الفلول لينطلقوا بعده يمزقون أجساد خصومهم في سعار دموي لا يرحم. وهو نفس السعار الذي انطلق بعد إشارة بسيطة ولمسة يد من مغتصب لجسد فتاة تسير وسط الآلاف من البشر في ميدان التحرير وكانت كافية لينطلق المئات من الغوغاء المغتصبين ليفتكوا بها ثم ينطلقوا يبحثون بين الجموع عن أية أنثى ليجردوها من ملابسها ويهتكوا عرضها في أكبر عملية اغتصاب جماعي تمت في تاريخ مصر وهي التي وقعت خلال احتفالات الذكرى الثانية للثورة وبأكثر من 23 حالة اغتصاب جماعي موثقة. وهو نفس المشهد الذي نراه في كل مظاهرة الآن حيث لا تمض ساعات إلا ويدخل هؤلاء المشهد وهم في أغلبهم من الصبية ليحولوا المظاهرة إلى ساحة للألعاب النارية والأسلحة النارية والطوب والحرق ومهاجمة الشرطة والسيارات والمؤسسات في هستريا وهمجية وسعار ونشوة يستحيل أن يكون لها علاقة أية بموقف سياسي. لقد تحول المشهد الثوري بمصر تماما. لينتهي تقريبا دور الثوريين ويتوارى تأثيرهم عن المشهد وفي المقابل يدخل على الخط الطامحين في السلطة والفلول والإعلام ليسيطروا على المشهد السياسي من خلال تحريك الغوغاء ليدمروا بهم بنية وهيبة الدولة. لقد تجسد المخربين في جبهة واحدة لا تحمل أي طرح سياسي اللهم إلا الصراخ والتخوين والتهييج ثم توجيه الغوغاء لليوم والتاريخ والمكان المطلوبين تحت دعوى التظاهر ثم تدخل الغوغاء فينفجر المشهد كالمعتاد وبمنتهى السرعة تتبدل القيادة فيتوارى المحرضين ويتسلم الإعلام المأجور الزمام ليقوم بمهمة إضفاء الشرعية على همجية الغوغاء ويضغط لشل فعالية القيادة السياسية المرتعشة بطبيعتها ويشن حملة على جهاز الشرطة المسئول عن التصدي لتلك البربرية فيرتجف هو الآخر ويخلو الشارع لهم لينطلقوا بصلاحيات كاملة في التدمير بأمان تام. وكانت أكبر مفاجأة لنا كمشاركين ومفجرين للثورة أن اكتشفنا أن هذه الآلة الإعلامية الرهيبة قد نجحت بالفعل في تغييب العقل المصري بعد أن كاد يستيقظ. لتدخل به من جديد في حالة من الكمون والاستعداد التام لقبول التضليل. فالإعلام حين يهتف للمعتدي وحين يلعن الضحية ويتهمها هي بتخريب البلد ويكرر ذلك سريعا سريعا ويأتيك بالعشرات من حملة الدكتوراة والمحللين السياسيين والحقوقيين ليؤكدوا لك أن هذا تصرف ثوري بطولي وبديهي من المعتدي وهو المقابل البسيط (لجرائم) نظام الحكم. فأن عقلنا يعجز عن التفكير خارج نطاق الصورة. وبتكرار نفس الرسالة على عقلك فأنك تتبلد وتنظر للجريمة دون أن تسأل: ماهي جريمة نظام الحكم الوليد ليستحق كل هذا؟ ولماذا يحرق هؤلاء؟ ولماذا يلقوا بالطوب وبالزجاجات الحارقة؟ لماذا يقفزون الحواجز للدخول على مقر رئيس الجمهورية؟ لماذا يحاولون اقتحام وزارة الداخلية؟ لماذا يحاولون طمس تاريخ مصر بحرق المتحف المصري والمجمع العلمي؟ لماذا يهاجمون خطوط المترو؟ لماذا أحرقوا مقار الحزب المعارض لهم؟ لماذا أحرقوا التوحيد والنور؟ لماذا يطلقون البنادق الآلية على سجن بورسعيد وعلى الشرطة؟ لماذا يغتصبون الفتيات؟ لماذا يهاجمون الأقسام؟ لماذا يعتدون على جهاز الشرطة؟ لماذا حرقوا مسجد عمر بن عبد العزيز وحرقوا المصاحف؟ لماذا حاصروا مسجد الشيخ المحلاوي؟ لماذا يحرقون سيارات الشرطة ومقار المحاكم ومبنى الإذاعة والتليفزيون ومقار المحافظات؟ لماذا يقطعون الطرق؟. ثم أخيرا لماذا لا يفعل المتظاهرون في كل الدول المتحضرة ذلك ولماذا لا تسمح لهم الدولة هناك بذلك؟ الإعلام لن يسمح لك برؤية الأمور على هذا النحو بل سيجعلك تشعر أنك أحقر من أن تفكر وحدك وتخرج لنتائج تعاند فيها هؤلاء (المثقفين) و(المحللين السياسيين) (والفنانين) .. وطبعا المستهدف من الرسالة التضليلية ومن هذا التكريم والإشادة بالمخربين ليس المواطن المثقف، بل هم العوام والمراهقون وكل المتشوقين للانفجار والراغبين في المشاركة في هذه المعركة العظيمة لينالوا شرف البطولة الثورية. أنها معركة أمنة تدار من طرف واحد هو أنتم. والأهم أنك أيها المخرب الرقيق الجميل إذا شاركت وخربت وقتلت فأنت محصن من القانون ومن أي عنف مضاد فأنت الوحيد الذي تحمل الترخيص بفعل ما تشاء. إقطع الطرق وقتما تشاء إحتل أكبر الميادين وقتما تشاء وانصب خيامك أمام مجلس الوزراء والعب كورة يوميا في هذا الشارع أو انصبها أمام مقر الحكم نفسه ونام قرير العين فأنت ثائر وقم واحرق واهدم والقي الجميع بالحجارة أو زجاجات المولوتوف واسحب أية فتاة من الشارع وانتهكها ولا تقلق من شيء فهذا الشعب معروض للذبح بأمر الإعلام وبصمت الحكام. هذا هو المشهد الآن في أبسط وأوضح صوره.. شعب معروض للذبح بأمر الإعلام ثمنا لأنه ثار منذ عامين على أسياده. وبنفس الوضوح نقول أن رئيسنا وحكومتنا (الثورية) أضعف من أن تواجه ذلك أو من أن تبث الثقة في نفوس جهاز الشرطة فينطلق لضبط الأمن وأضعف من أن يرتدع منها القضاء المسيس فيكف عن دعم الخراب، وأضعف من أن يخافها إعلامي وضيع فيتوقف عن سب رئيس الجمهورية وحزبه وحكومته ليل نهار. إن الخطوة الثانية قد أصبحت واضحة كالشمس وهي ضياع البقية الباقية من هيبة الدولة وبالتالي المزيد من توحش الغوغاء وأعوانهم. ولن تكون تلك هي اللحظة الفارقة على بشاعتها ولكن الكارثة هو أنه بتأكد عجز الدولة فستخرج مليشيات وطنية مضادة لسد فراغ الدولة ومواجهة هؤلاء الغوغاء وداعميهم من الفلول والإعلام المأجور لحماية أنفسهم وأموالهم وبلدهم. وهي معركة إن بدأت فلن تطول، فمن أهم خصائص الغوغاء أنهم يتجمعون في ساعة ويتفرقون في دقيقة. ويقاتلون ضدك اليوم ومعك غدا. ولكن لازال هناك أمل في استيعاب الرئيس لحقيقة ما يجري وإدراكه أنه يؤسس بصمته الحالي لجمهورية الفوضى، فيتحول عن هذا الصمت ويتعامل بالحزم اللازم ويعيد للدولة وللرئاسة هيبتهم. وهذا رغم يسره الشديد ووضوحه الجلي إلا أن طبيعة شخصية السيد الرئيس تجعل هذا الحل غير وارد على الأقل الآن. لذلك فعلينا أن ننتظر قدر الله في مصرنا الحبيبة ونستعد مع بقية الشرفاء للدخول في معارك مع تلك البربرية وأعوانها نستكمل خلالها بأيدينا تطهير بلدنا واستكمال ثورتنا واستعادة الأمن. ونختار لبلدنا حاكما أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]