اجتهادان متناقضان حول حصيلة الاستفتاء المصري على التعديل الدستوري: الاول، لم يخرج فقط من فم قوى المعارضة المصرية التي اعتبرته “مهزلة” (كما قال زعيم حزب “الغد” أيمن أنور)، أو تزويراً فاقعاً في أعداد الناخبين، (كما قال “الاخوان المسلمون” وتيار “كفاية”)، بل جاء أيضاً على لسان الصحف الأمريكية. وعلى سبيل المثال، كتبت “واشنطن بوست” في افتتاحيتها: “وحده كان التدخل القوي من جانب البيت الأبيض سيحفز على إجراء انتخابات مصرية قريبة من كونها حرة وعادلة. لكن بدلاً من ذلك، سمع الشعب المصري من لورا بوش أن السخرية من الديمقراطية جديرة بالتصفيق”. الثاني، جاء بالطبع من جانب الحكومتين المصرية والأمريكية: القاهرة اعتبرته “خطوة مهمة على طريق الديمقراطية، وتأكيداً على أن مصر بتراثها الحضاري قادرة على المضي في طريقها بثقة وكفاءة”، وواشنطن، وبرغم انتقادها للاعتداء على المعارضين المتظاهرين، أشادت كذلك بالاستفتاء بصفته “خطوة اولى من جانب الرئيس مبارك”. أي الطرفين على حق؟ الاجابة، للوهلة الأولى، تبدو صعبة. فما يعتبره طرف خطوة مهمة إلى الامام، يطل عليه الطرف الآخر بصفته نكسة خطيرة إلى الوراء. لكن، وبرغم كل ما جرى قبل وخلال وبعد الاستفتاء، ثمة بالفعل ايجابيات ما. فهذه المرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن التي يشهد فيها الشارع السياسي المصري مثل هذه الحيوية والاندفاع والنشاط. وهذه المرة الأولى التي يحصل فيها الشعب المصري (ولو نظرياً) على حق الاختيار بين أكثر من مرشح للرئاسة. ثم ان هذه المرة الأولى أخيراً التي لا تصل فيها الاستفتاءات إلى نسب ال 99،999 في المائة. هذا على الصعيد الداخلي المصري. اما على الصعيد الأمريكي، فقد دلّت مواقف لورا بوش ثم زوجها جورج بوش ثم وزارة الخارجية الامريكية، المؤيدة كلها للرئيس مبارك، عن وجود استراتيجية امريكية جديدة للاصلاح في الشرق الاوسط. أول من كشف عن هذه الاستراتيجية كان ستيفن كوك، الباحث البارز في “مجلس العلاقات الخارجية” الامريكي، الذي قال إن إدارة بوش “قررت الانتقال من مقاربتها السابقة للاصلاح القائمة على المعاقبة بالعزلة والعقوبات وتعزيز المجتمع المدني والتنمية الاقتصادية، إلى مقاربة جديدة تقوم على تشجيع التحديث التدريجي لمؤسسات السلطة العربية، من خلال إغراء الأنظمة بالمساعدات الاقتصادية والدعم المالي”. أول وأهم المؤسسات التي يجب إصلاحها، برأيه، هي رأس الهرم: الرئاسة. وهذا بالتحديد ما فعله الرئيس مبارك بقراره تعديل المادة 76 من الدستور، والذي قد تليه بالتدريج تحديثات للمؤسسات الأخرى التشريعية والتنفيذية. قد لا تعجب هذه المقاربة المعارضة المصرية والصحف الليبرالية الأمريكية. لكنها الآن اللعبة الوحيدة المتوافرة في سوق الأخذ والعطاء الديمقراطي في مصر، إلا بالطبع إذا ما نجحت المعارضة المصرية في توحيد صفوفها وفي فرض جداول أعمالها على الداخل والخارج معاً. حينها، قد يحدث الاستفتاء نفسه، ولكن بمضمون جديد كلياً، وبنتائج مختلفة كلياً.