أكتب هذا المقال وأمامى صورتين لزملائى الكرام، حَملة الماجستير والدكتوراه، فبعضهم ينامون أمام منزل رئيس الوزراء، وبعضهم أُفرج عنهم بكفالة مالية من سرايا النيابة على إثر الأحداث الأخيرة. وأتابع معهم – بكل حزن وألم وحسرة واستغراب – وأتساءل؛ لماذا يحدث هذا؟ مع هذه النخبة المميزة علميًا، والعقول النيرة من شباب مصر؟ ولماذا تتجاهل الحكومة مطالبهم؟ ولم تتركهم الدولة إلى هذا الحد من الغضب والاستياء؟ ولمصلحة من؟! فبعد سنوات عجاف فى ظل النظام السابق، الذى جرف وبوَّر هذه العقول المتفتحة بإهماله وتجاهله لهم وتهميشهم، وإقصائهم عن الحياة، لمصلحة ولحساب رجال النظام السابق وأبنائهم وأقاربهم، فيما يُعرف بسياسة المجاملات والمحسوبية والتوريث سواءً فى القضاء وداخل الجامعات والوزارات، بل فى كل مفاصل الدولة. فالأولى بمصر الجديدة بعد الثورة، أن تصوب هذا الخطأ، وتصحح المسار، وتقوّم الاعوجاج، وتعيد الحق إلى أهله، وتضع الأمور فى نصابها الصحيح، وأن تهتم بهذه الكوكبة النيّرة من أبناء الشعب المصرى، وأن تعجل فى حل أزمتهم وتسوية مواقفهم، فهم منا ولنا. وقد كنت متفائلًا وعلى ثقة كبيرة، بعد أن أكرمنا الله بثورة مباركة، وبرئيس مدنى منتخب بدرجة أستاذ جامعى؛ يعرف قدر هؤلاء ومكانتهم، وبدستور يعلى من شأن البحث العلمى والتطور التكنولوجى، أن تتغير الأمور إلى الأحسن، وأن يعاد النظر فى التعامل مع هذه النخبة المميزة علميًا والفئة المهمشة،وأن يردّ إليهم حقهم المسلوب، وأن يستريحوا من عناء الإقصاء والتهميش والتجاهل. فهل يليق بمكانة مصر العلمية بعد أن رفعت الثورة شعار ( عيش - حرية – عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية )، وقامت من أجل تحقيق ذلك، أن يضيع حق هؤلاء الأبناء فى العيش الكريم وتحقيق العدالة الاجتماعية لهم، والشعور بالكرامة الإنسانية فى وطنهم؟! وأن تتجاهل الدولة مطالبهم العادلة! أما آن لحَمَلَة الماجستير والدكتوراه، أن يستريحوا! أما آن لهم أن ينالوا حقوقهم، ويحققوا مطالبهم ! إن حل هذه الأزمة لا أراه مستعصيًا، فى ظل دولة تحمل مشروع النهضة والإصلاح والبناء والتنمية، فأى نهضة تتحقق بدون هذه النخبة، وأى بناء وتنمية وإصلاح؛ يقوم على غير أكتاف هذه العقول المثقفة وبسواعدهم وأفكارهم وعلمهم وخبرتهم. فالأولى بمصر بعد الثورة العظيمة، رئاسة وحكومة أن تسعى وتبحث عن هؤلاء الشباب، أصحاب الهمة العالية فى التحصيل العلمى، وأرباب الثقافة الوافرة، والعقول المفكرة، والسواعد البانية، لكى تكافئهم وتكرمهم أولًا عن مثابرتهم وجدهم واجتهادهم فى طلب العلم، وتوفر لهم سبل العيش الكريم اللائق بهم وبمنزلتهم المرموقة, وثانيًا: أن تحاول الدولة والحكومة الاستفادة من تفوقهم وتميزهم العلمى فى مجالاتهم المختلفة المتخصصة، وثالثًا: توفر لهم سبل الترقى والتنمية والتطوير فى مسيرتهم العلمية، لكى يلاحقوا ركب التطور والنمو السريع فى الثورة العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية، ليستفيد منهم وطنهم، ويكونوا لبنة فى بناء صرح النهضة والتنمية. فالحلول الآن ممكنة، وأماكن التعيين والتوظيف شاغرة, والحاجة لهؤلاء عاجلة، والاستعانة بهم مطلوبة، والاستفادة منهم واجبة، فعلى الحكومة أن تصدر قرارها الفاصل والناجز بتعيينهم فى مراكز البحث العلمى، والجامعات، وفى كل أجهزة الدولة بعيدًا عن المجاملات والمحسوبيات وسياسة التوريث البغيضة، وأن توفر لهم كافة السبل فى عيش كريم وكرامة، وتقدم علمى يعود عليهم وعلى أوطانهم بالخير والرفعة، فلماذا التردد والتأخير والتباطؤ والتسويف والتجاهل؟! اللهم ألهمنا رشدنا.. اللهم بلغت.. ماجستير فى القانون أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]