هل تظن أن هناك أى أمل فى بلد يحصل فيه من يركل الكرة بقدمه على الشُّهرة والمال والمكانة الاجتماعية، ولا يجد فيه من يفنى شبابه فى نَيل العِلم ما يلبى حاجاته الأساسية؟ يبدو هذا هو حال مصر على مدار العقود الأخيرة التى تم فيها اختراع الاحتراف الرياضى لينال لاعبو الكرة الملايين، فى الوقت الذى يتسول فيه محترفو العِلم الملاليم! وفى مصر الآن أكثر من أربعة آلاف مواطن اجتهدوا وثابروا حتى نالوا أعلى الدرجات العلمية ممثلة فى الماجستير والدكتوراه وفى تخصصات متعددة، ومع ذلك تدير الدولة لهم ظهرها، وترفض حتى مجرد تعيينهم للاستفادة من معارفهم وخبراتهم العلمية التى اكتسبوها طوال سنوات الدراسة العليا.. «أكتوبر» التقت بعدد منهم واستمعت إلى صرختهم.. فهل من مجيب؟! يقول وحيد النجار الحاصل على ماجستير لغات شرقية لغة عبرية بتقدير جيد جداً من جامعة الإسكندرية، لقد تعرضنا لضغوط للتنازل عن مطالبنا منها إطفاء الأنوار وإغلاق دورات المياه، كما تعرضنا للضرب والمساومات التى قام بها د.سيد مشعل وزير الإنتاج الحربى السابق حيث وفّر لنا 300 وظيفة بوزارة الإنتاج والجهاز الإدارى للدولة. ويضيف النجار أننا تقدمنا بتنازل عن مرتبنا لمدة سنة كاملة إلا أن الوزارة رفضت هذا العرض وطالبنا بإلغاء الانتدابات الوهمية وفتح باب العمل لنا للعمل فى التعليم المفتوح والجامعات الخاصة. هجرة جماعية وأضاف النجار: اتخذنا خطوات عملية وفعلية لتدويل القضية ونحن فى اتجاه التصعيد ولن نتفاوض مع أى مسئول مصرى، وفى هذا السياق أكد النجار قائلاً: لجأنا بالفعل لتدويل القضية لأن المسئولين لم يتركوا لنا حلاً سوى تدويل القضية ويعد الذهاب للسفارة القطرية هو أولى تلك الخطوات، كذلك لجأنا إلى السفارة التركية وقدمنا كشوفاً بأسماء وتخصصات الحاصلين على الماجستير والدكتوراه ولقد لاقينا ترحيباً كبيراً من القنصل القطرى والقنصل التركى ولن نكتفى بذلك سوف نقدم طلب هجرة جماعية للسفارات العربية والإسلامية ثم سنتوجه إلى السفارة الأمريكية والسفارات الأوروبية. وفى هذا السياق أكد النجار أنه سوف تتم تقديم مذكرة لجامعة الدول العربية نطالبها بالتدخل والوساطة لدى الحكومة المصرية لحل القضية من منطلق أننا جزء من الشعب العربى. ويقول النجار: إن الجامعات مليئة بالفساد حيث وضعنا خريطة تضم كل هذا الفساد ومنها عدم اتباع قواعد الجودة فالكليات النظرية نجد أن الأستاذ يدرس لعدد من 350 إلى 3000 طالب وفى الكليات العملية يدرس الأستاذ لعدد من 350 إلى 600 طالب مما أدى إلى عجز فى الدرجات الوظيفية. كما يضيف: لو طبقنا قواعد الجودة فى الجامعات فسنجد أننا فى حاجة إلى تعيين 12400 درجة وليس 4000 درجة، حيث وصلت انتدابات الجامعات إلى 30 ألف انتداب وهمى، مما يكلف الدولة مليارا و30 ألف جنيه، وإلغاء الانتدابات يتيح توفير عشرة آلاف درجة وظيفية، تصل رواتبهم إلى 240 مليون جنيه مما يعنى توفير ثلاثة أرباع مليار جنيه. الدكتور.. عاطل! ومن جانبه يؤيد السيد محمد على والحاصل على دكتوراه فى الجغرافيا البشرية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف من جامعة المنوفية تدويل القضية ويؤيد أيضاً فكرة الهجرة الجماعية للعلماء المصريين متسائلاً: كيف نعيش فى وطن لا يقدر علماءه، رغم أن الحصول على الدكتوراه جاء بعد كفاح وجهد ومثابرة ومع ذلك فإننى بدون عمل رغم أننى حاصل على الدكتوراه بمرتبة الشرف، وفى هذه الحالة سيكون اللجوء للهجرة خارج البلاد هو أفضل الحلول. ومن جانبه يطالب يوسف أبوالفضل محمود والحاصل على ماجستير جغرافيا اقتصادية من جامعة القاهرة بضرورة إيجاد رقابة على المنح الخاصة بالبحث العلمى لكى تذهب لمستحقيها، وبرغم من أن ثورة 25 يناير قد أطاحت بالفاسدين فإننا نريد ثورة أخرى داخل الجامعات. ويفجر أبوالفضل مفاجأة من العيار الثقيل بأن المعونات لا تقدم لمستحقيها بل تستخدم فى إقامة الحفلات والرحلات لهيئة التدريس ولو كانت هذه المعونات لمستحقيها لكانت جامعاتنا فى مصاف الدول المتقدمة. ومن ناحيته يتساءل محمد سعد السيد الحاصل على الدكتوراه فى التاريخ الإسلامى بمرتبة الشرف الأولى: إذا كانت الجامعات لا ترغب فى تعييننا رغم حصولنا على الدرجات العلمية كالماجستير والدكتوراه فلماذا منحتنا تلك الدرجات العلمية؟ ولماذا رفضت إتاحة الفرصة لتعيينا رغم وجود درجات شاغرة بالفعل؟ وتقول إيمان صالح الحاصلة على ماجستير علم نفس من جامعة الزقازيق بتقدير ممتاز رغم أن رسالتى فى الماجستير هى الوحيدة على مستوى العالم العربى فى تخصص مقياس «بينيه» الذى يقيس التخلف العقلى عند الأطفال، وقد أشاد بها جميع الأساتذة فالرسالة ذات قيمة كبيرة حيث وصلت ميزانيتها إلى 2 مليون جنيه، ورغم إشادة الأساتذة بها فإنه تم تعيينى للعمل كأخصائية نفسية بإحدى المدارس حيث ظللت لسنوات طويلة أتقاضى ثلاثين جنيهاً شهرياً وأخيراً وصل راتبى إلى مائة وخمسين جنيهاً. نعم للسفر.. لا للتدويل وترفض إيمان فكرة تدويل القضية وترىأنه من الأفضل أن يتم السفر للخارج للعمل فى إحدى الدول العربية، فالحل هو السماح بهجرة الحاصلين على الماجستير والدكتوراه للخارج. وتتفق منى منازع الحاصلة على الماجستير فى التاريخ الحديث بتقدير ممتاز من جامعة حلوان مع رأى إيمان صالح فى رفض تدويل القضية أو الهجرة الجماعية للعلماء لأن هذا سيضر الوطن وسيؤدى إلى تفريغ الوطن من علمائه، وتنصح بالصبر لأنها تؤمن أنه لا يضيع حق وراءه مطالب. ويقول عماد الدين إبراهيم الحاصل على دكتوراه فى الأدب من جامعة عين شمس، إن عدم تعيين الحاصلين على الدرجات العلمية كالماجستير والدكتوراه سيؤدى إلى تهميش كل العقول العلمية وتغييبها عن باقى الشعوب.. و يرى أسامة فودة عبدالعزيز الحاصل على الماجستير فى الخدمة الاجتماعية بتقدير ممتاز من جامعة الفيوم، أن هذه المشكلة سببها النظام البائد، وأننا نطالب بصحوة لرفع مكانة العلم والعلماء، وعندما واجهتنا صعوبة للتوصل إلى حل كان الأمل الأخير لنا هو تدويل القضية. ويؤكد أسامة فودة أنه رغم أن د. عصام شرف قام بصرف زيادات لأعضاء هيئة التدريس وصلت إلى مليار جنيه فى حين أن تعييننا لن يتعدى 240 مليون جنيه، ورغم هذه المميزات لأعضاء هيئة التدريس لم يقم أحدهم بالتبرع بشهر من راتبه لصالح الاقتصاد المصرى المنهار. ويقول جمعة عبد المقصود الحاصل على دكتوراه فى النحو والصرف من جامعة المنصورة إننا طلبنا من وزير التعليم العالى تعييننا فى التعليم المفتوح إلا أنه رفض هذا الطلب، متعللاً بأنه ليس له سلطان عليه وأنما يجب أن يكون من جانب القائمين بالتدريس فيه من أساتذة الجامعات. ويرى عبد المقصود أن الجامعات فى حاجة إلى ثورة على الفساد والمحسوبية والشللية، ويقول إن مجلس الوزراء لديه الكثير من الحلول، ولكنه لم يفعل شيئاً رغم أن عددنا لا يتجاوز أربعة آلاف درجة علمية حيث إن الجامعات بها أماكن تتسع لأعدادنا ومع ذلك يتجاهلون تعييننا. ويطالب جمعة عبد المقصود بإيجاد جهة محايدة لحصر العجز الموجود بالجامعات من حملة الماجستير والدكتوراه قائلاً: إن وزير التعليم الحالى لا يستطيع اتخاذ قرار خوفاً من أساتذة الجامعة الحاليين، بالإضافة إلى أن لديه شعورا أنه موجود لتسيير الأعمال فقط حيث إننا فى فترة انتقالية، وأن الأمر يتطلب إعطاءه الفرصة لحل هذه المشكلة. وأخيراً تؤكد وسام رفعت محمود الحاصلة على ماجستير تربية رياضية أن المشكلة بسيطة ولكن المسئولين يتجاهلون حلها وهذا سببه الفساد بالجامعات، وتتساءل لماذا كل هذا التسويف فى حل هذه القضية التى دقت جرس الإنذار لمواجهة الفساد داخل الجامعات؟