تحل علينا الذكرى الثانية لثورة 25 يناير 2011 يوم الجمعة القادم، ولا زلنا نطالب بمطالب اليوم الأول لإندلاعها. ربما يكون الناس قد فقدوا الأمل فى تحقيق مطالبها، فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، غير أن خروج كثير من قوى الثورة الآن على أحد فصائلها المشاركة والرابحة لها، الإخوان المسلمين، يدلل على أن خللًا قد حدث منذ البداية ولم ينتبه له أحد. سيخرج البعض فى الذكرى الثانية لتحقيق مطالب الثورة الثلاثة ووقف العمل بالدستور ومقاومة الاستبداد. وسيخرج البعض لإسقاط جماعة الإخوان المسلمين عن الحكم. وسيخرج البعض للاحتفال، وسيخرج البعض للنضال. هناك من يعلنها ثورة جديدة، ومن يعلنها ثورة ثانية، ومن يعلنها تصحيحًا للمسار، ومن يجدد الدماء ليستعيد الحقوق. هل نحن بصدد ذكرى ثورة؟ أم ثورة أصبحت ذكرى؟ وعلى هذا، فإن هؤلاء جميعًا سينزلون بأهداف مختلفة، لكن تحت العنوان الذى ارتضاه الشباب: " لا لدولة الإخوان.. الثورة مستمرة". فالشباب ما زالوا يطالبون بالابتعاد عن دولة العواجيز التى شاخت، ويحاولون استعادة مصداقيتهم وطهرهم الثوري المشوه من جديد. وقبل هذه الدعوات، وبالتوازى معها، طالبت القوى الإسلامية وعلى رأسها "الإخوان المسلمين"، بنزول أعضائها للاحتفال بذكرى الثورة، ونادى بعضهم، كالجماعة الإسلامية، باعتبار يوم 25 يناير يومًا وطنيًا. لكن مع موجة التصعيد ضدهم، راحوا يوجهون أتباعهم بالنزول لتنظيف القرى وزراعة الأشجار، بعيدًا عن صخب الميادين. وحتى هذه الطريقة لم تسلم من نقد خصومهم التى عدوها استكمالًا لبيعهم للثورة، وشراءً لأصوات الجماهير فى الانتخابات البرلمانية القادمة. بغير شك، أن من شارك فى الثورة طيلة ال 18 يومًا، وأنا واحد منهم، تنتابه مشاعر خاصة تختلف عن الآخرين ممن لم يشاركوا فيها. فالمشاركون تتراءى لهم الأحداث رؤيا العين، تطل عليهم المخاوف التى سبقتها وحتى لحظة التنحى 11 فبراير 2011 من جديد. هؤلاء تتجدد آلامهم يومًا بيوم، على ذكرى ثورة شاركوا فيها ولم تتحقق أهدافها. تتجدد ذكريات المعاناة من هؤلاء الذين باعوا الوطن ووقفوا ضدها بكل ما أوتوا من قوة. يتذكرون المعارضين فى أجهزة الدولة الرسمية وغير الرسمية، هؤلاء الذين قادهم إعلاميون وفنانون ولاعبون وغيرهم. وهؤلاء ظلوا على حالهم متضامنون مع شخصيات مهمة فى الدولة، ظهرت بوضوح فى الانحياز لترشيح أحمد شفيق فى الانتخابات الرئاسية الماضية. وبالتالى كان لابد من صناعة أحداث معينة تعيدهم من جديد لغسل سمعتهم السيئة. ولعل قصة نزول تلك المجموعات ضمن التظاهرات المضادة للإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر 2012، تشى بأن الأمر قد رتب لهم لدفع النظام القائم ليتخذ من القرارات ما يجبر الجماهير على النزول، ودس هؤلاء بينهم لتحسين صورتهم وغسل سمعتهم. ولما كان هؤلاء المستفيدون يلعبون أدوارًا مختلفة تَخفى على العامة، لصالح النخبة المتحكمة فى البلاد فى الداخل والخارج، كان مطلوبًا إعادتهم من جديد فى حادث مرتب ليغسل كل ما اقترفوه من جرائم فى حق الثورة. فكان لهم ما أرادوا وأكثر. تحل الذكرى الثانية، وما زلت أذكر اليوم الأول لخروجنا فيها. فقد كان الأخوة والزملاء بالقسم الذى أعمل به، قد رتبوا لى حفلًا بمناسبة ترقيتى لدرجة أستاذ مساعد، ليكون يوم الأربعاء 26 يناير 2011. وكان مطلوبًا أن أصحب اثنين منهم يوم الثلاثاء 25 يناير على اعتبار أنه إجازة، لشراء بعض متطلبات الحفل المرتقب. لكننى اعتذرت صراحة عن هذا الموعد، بسبب المظاهرات التى تداولنا أمر النزول فيها عبر الفيس بوك. فقد عبرنا عن مشاركتنا فيها وطريقة الاستعداد لها، عبر الدعوات والفيديوهات التى كانت تأتينا تترًا على صفحاتنا على الفيس بوك من كل الجهات، وكنا نشارك فى توزيعها على آخرين. تحل الذكرى الثانية وترى أوجاعك الشخصية ومخاوفك تتلاشى بعد الثورة، وكأننا لم نخرج بالأساس، فقد كان النصر فيها سهلًا للغاية. تحل الذكرى الثانية وتتراءى لنا صور وأشكال لأناس تأَخينا معهم فى ميدان التحرير ولم نرهم بعدها. تتجدد الجراح على الفرص التى ضاعت منا لتحسين بلدنا. كأستاذ جامعى، كان لا يضيرني شيء فهي مستورة والحمد الله، لكننى شاركت، ككثيرين غيرى، من أجل بلدنا ومستقبل أولادنا وأهالينا ومواطنينا المجهول. استشرافنا للأحداث كان مختلفًا، وانغماسنا فى المشاكل كان عميقًا، وإنحيازنا للناس كان خيارنا الرئيسى. فالبلد كان يجرى إلى الخلف ولا يتحرك، وكان مطلوبًا إصلاحه ورتقه من كل العيوب التى خرقته سنينًا طوالًا. فهل فشلنا فى وضع روافع الوطن فى مكانها الصحيح؟ أم أننا وضعنا الروافع الخطأ؟ فكل المؤسسات التى وضعناها كروافع لهذا الوطن سقطت وعليها مشاكل. البرلمان سقط بحكم قانونى، والرئيس المنختب له خصوم، فلم يتمكن حتى الآن من وضع الروافع الصحيحة فى مكانها المناسب. تحل الذكرى، ومازلنا نعيش من الانقسام ألوانًا، ومن الاختلاف عنوانًا. عشنا عامين من الصراعات ما يسقط أى دولة فى العالم، ولم نشكر نعمة الله علينا!. قتلنا بنى جلدتنا، ولم يُحكم على أحد بعقوبة! تمكنت القوى القديمة من تسيير أمور الدولة لصالحها، ولم يحدث أى تقدم بخصوص العمالة المضارة، والبطالة المنتشرة! فهل قمنا بثورة وسرقت؟ أم أن ثورتنا انحرفت عن المسار، وتحتاج لجهد فى استعادتها؟ ذكرى ثورة، هذه رؤية غالبية القوى الثورية التى تستعد للنزول من جديد. انتهت الثورة وعادت نتائجها فقط على القوى المستفيدة منها. حالة الاستخفاف التى نعيشها، ومغالاة البعض فى التشاؤم، والانقسامات الموسعة والمرتبة أحيانًا، كلها أمور تجعل من ثورتنا مجرد ذكرى لثورة مجهضة. غير أن الأمل قائم، والعشم فى الثوّار بشتى فصائلهم قادم، والسعى لاستعادتها ضرورى. فهل نتمكن من تحويلها من مجرد ذكرى، لفعل ناجز؟ اللهم آمين. د. أحمد عبد الدايم محمد حسين- أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة.