ذكر الأستاذ «محمد حسنين هيكل» فى كتابه «هؤلاء القادة لماذا نجحوا وكيف تفوقوا» أن الزعيم «جمال عبد الناصر» طلب منه أن يتولى دعوة «مونتجمرى» - قائد الجيش الثامن البريطانى سابقًا- وذلك من أجل حضور احتفالات ذكرى معركة «العلمين»، فبادر «هيكل» بالاتصال به ليدعوه لهذا الحدث التاريخى المهم، إلا أن «مونتجمرى» ربط موافقته بحضور قادة القوات الذين كانوا معه أثناء معركة «العلمين»، وكان عدد من بقى منهم على قيد الحياة خمسة، وبعد عرض الأمر عليه وافق الزعيم «جمال عبد الناصر» على حضورهم، فلما اعتلى «مونتجمرى» منصة الحفل لإلقاء كلمته - وكان هؤلاء الخمسة جالسين فى الصف الأول مع كبار الضيوف والحضور- تحدث فأشاد بجهود فريق المحاربين الذين كانوا معه ونوه ببطولاتهم وتضحياتهم التى صنعت النصر العظيم وغيرت مجرى التاريخ، وهكذا مضى فى خطبته فى الثناء على قادته وجنوده وذكر مآثرهم. لقد أصر «مونتجمرى» فى لحظة نسيان الزمان لرفاقه أن يتذكرهم عندما تذكره الزمن والناس. من الأكيد أن «مونتجمرى» قائد عظيم ويملك عبقرية عسكرية فذة، وكان من أهم أسباب انتصار الحلفاء، ولكنه لما قام للحديث لم يتحدث عن نفسه ودوره فى صنع الانتصار، وإنما اهتم وتحدث عن الذين ضحوا معه وترك مهمة الحديث عن نفسه وبطولاته للتاريخ. إن الذى يمتلك مثل هذه الروح القيادية لا عجب أن يحقق هذا النصر العظيم فى معركة تعتبر من أهم معارك الحرب العالمية الثانية ويهزم ثعلب الصحراء القائد الألمانى الكبير «رومل». إن القائد الحقيقى هو الذى لا ينسب كل فضل وبطولة وإنجاز لنفسه ولا يعتقد أن كل نجاح هو بسبب عبقريته وحده ومن ثم يهمش الآخرين وأدوارهم وبطولاتهم وإخلاصهم، إن الذى ينسب الفضل لنفسه فقط ليس قائدًا على الحقيقة، وإنما هو لص يسرق جهود الآخرين وتضحياتهم ولسوف يفقد ولاءهم وحبهم له ولو بعد حين. إن القيادة الحقيقية هى العطاء: عطاء بالحب والمشاعر، وعطاء بالتقريب والاهتمام، وعطاء بالمدح والثناء والاعتراف بجهود الآخرين، وعطاء وإكرام مادي، وعطاء من القائد بالصبر على من معه وتحملهم ليبقى الحب هو الأساس. إنه لمن المهم أن يستوعب القائد أنه مطلوب منه الولاء الصادق والمخلص تجاه من معه أولًا ليحصل على الولاء والحب والإخلاص والتضحية من الأتباع بعد ذلك. يقول الشاعر: وإن الذى بينى وبين بنى أبى وبين بنى عمى لمختلف جدا وإن أكلوا لحمى وفرت لحومهم وإن هدموا مجدى بنيت لهم مجدا ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس سيد القوم من يحمل الحقدا إن البيت الأخير من أروع أبيات الشعر التى قالتها العرب (وليس سيد القوم من يحمل الحقد) بل إن سيد القوم من يحمل العطاء والوفاء وطهارة القلب والوفاء ومكارم الأخلاق لمن معه. وتلك كانت أخلاق الرسول - عليه السلام -، فإنه قبل وفاته بقليل لما قام متحدثًا مستعرضًا تاريخ دعوته تذكر رفيق دربه وتضحياته وجهاده ودوره فى نصرة الإسلام فقال كلمته الخالدة التى لا تصدر إلا من شخص عظيم مثله عليه السلام: «إن أمن الناس على فى ماله وصحبته أبو بكر». أكاديمى وكاتب قطرى