أشعر ويشعر معى غالبية هذا الشعب أننا أمام مشكلات عدة تكاد تقتلعنا من أماكننا، والمعيشة تضيق بخناقها حول رقابنا، ولا تحتوينا الأرض التى نقف عليها فى ربوع هذا الوطن الرائع المترع بخطايا أبنائه وبنظرات التشفى من أعدائه المرابطين من حوله ينتظرون انهياره كل لحظة، لكن وسط هذه العتمة أرى ضوءًا قادمًا من بعيد يحمل بشعاعه أملًا سينفجر فى قلب مصر التى تنتظر منذ عقود أن يعود إليها بريقها وريادتها وقيادتها لأمتيها الإسلامية والعربية، كما كانت فى السابق،وهذا ليس على الله بعسير لأرض حماها الله وحباها على مر السنين منذ عهد الفراعنة،وحباها بأبنائها الذين دائمًا ما يعودون بها للمقدمة بعد انكسار قد يطول مرة ويقصر مرات، لكنها تبقى مصر التى تسكن شعبها وتستعذب طيبة أبنائها وتحتويهم، فالبعض يرى أننا نعيش أرذل عمرنا من تراجع وتخلف وخلافات وعربدة وتراجع على المستوى الأخلاقى،لكن رغم كل ذلك ستبقى مصر محفوظة بأمر ربها وعشق أبنائها لترابها، رغم تجاوزاتهم فى حقها وتماديهم فى تعذيبها، والمتأمل للوضع الحالى المتراجع والتشاؤم الذى يبشر به البعض،مما أخاف البسطاء من أهلها نقول لهم لا تخافوا إن بعد العسر يسرًا، مصر لا تضام أبدًا لكرم أهلها وإيمانهم الراسخ بقوتها المستمدة من تاريخها العريق المسطر بأحرف من نور وسلاسل من ذهب، فجنودها خير أجناد الأرض.. التاريخ يزكيهم ويضعهم فى مقدمة الجُند وصدق رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، حين قال إذا منّ الله عليكم بفتح مصر "فاتخذوا فيها جيشًا كثيفًا فإنهم خير أجناد الأرض".. فهم من دحروا المغول والتتار وقهروا الفرس وأحرقوا الصليبيين، فلا خوف على هذه الأرض الطيبة التى لا تنجب سوى الطيبين ودائمًا تحتوى الوافدين وتصهرهم ويذوبون عشقًا فى حبها وهم ليسوا من أهلها، وقديمًا قال المؤرخ هيردوت (المصريون لديهم قدرة هائلة على تمصير الوافدين إليهم فيما لا ينصهرون هم أبدًا فى المجتمعات الأخرى)، وصدق الرجل فيما وصل إليه، فعشق المصريين المغتربين للوطن أكثر عشقًا من الذين لم يغادروها هكذا هم دائمًا، ولمسنا كيف هم رائعون عندما شعروا بخطورة اقتصاد وطنهم وتراجعه وارتفعت المبالغ المحولة من الخارج للداخل بشكل مثير خلال أيام قلائل، رغم أن الكثير منهم يختلف كليًا وأيديولوجيًا مع نظام الحكم القائم، لكن هذا لا يهم بقدر ما يهم الوطن وما يحتاجه من وقوف أبنائه بجانبه وقت الشدة.. كل هذا والمتشائمون يبشرون بانهيار البلد ووقوعها فى براثن الفقر والفوضى والتبعية، لكنهم للأسف لم يقرأوا التاريخ المنصف دائمًا لأرض الكنانة، والكنانة لمن لا يعرف تعنى(الحقيبة التى يُحمل فيها سهام الحق)، فالاسم ليس عبثًا بل اسمًا على مسمى لبلد يستحق أبناؤه ذلك، فالحق بينهم لا يموت ولا يضيع، وستبقى مصر منارة الشرق وملهمة الآخرين على مر العصور تراجعت أو تقدمت فهى لها مكانتها فى قلوب الغريب والقريب، العربى والإفرنجى، دائمًا ما يمتدحها الجميع، المتفق معها والمختلف، بلد بكل هذا الإرث الثقافى والحضارى لا خوف عليها، قد تشتد الأزمة لكن مع اشتدادها ستنفرج حتمًا، وسيرى هذا الشعب الغوث من رب العباد القادر على كل شيء.. اطمئنوا أرض الحضارة أرض الكرم لم ولن تضام، مهما تكالب عليها الأقزام ونال منها الأعداء ستبقى مصر شامخة كشموخ النخيل، لن تُذل ولن تركع رغم تطاول الرويبضة عليها، فهم واهمون وإن أخذتهم العزة بالإثم، فإن مصر بأهلها محروسة برب العزة، مصونة بأزهرها الشريف وسماحة شعبها.. مصر التى حباها الله وحفظها على مر السنين حتما ستعبر المحنة التى تمر بها، شرط إخلاص أهلها وتكاتفهم لنعبر سويًا أزمتنا وإن الله على ذلك لقدير.