لا شك أنّ ظاهرة تعدد الأحزاب والتجمعات والحركات التي انفتح بابها منذ عهد قريب هي نتيجة كبت طويل وورم متأصل في جسد الأمة وعقلها الواعي وقلبها النابض، جعلها تئن بهذه النبضات الصارخة المتمثلة في التظاهرات وإنشاء هذه الكيانات. وهي ظاهرة صحية "في جملتها" إذ إن التعددية السياسية تعنى صحة الجسد ويقظة العقل وصحوة الروح وما يتبع ذلك من تعدد البرامج الإصلاحية والمذاهب التطبيقية في كافة مجالات الحياة مما ينشأ عنه إختيار الأفضل وتقديم الأولى. والأمر الذى لا نقاش فيه ولا يحتمل المراجعة أو تعدد الآراء هو أنّ تلك الساحة التي توشك أن تعجّ بهذه التجمعات، يجب أن تعكس تجانسا في الأيديولوجية العامة أو في الإتجاهات الكليّة لتلك الأحزاب والتجمعات والحركات، إذ يجب أن تكون كلها ممثِلة لهوية الشعب المصري المسلم وما يحمل ذلك من إلتزامات تجاه دينه ووطنه وأهله – مسلمين وغير مسلمين - فكرياً وإقتصادياً وإجتماعياً. هذا أمر أدعو الله سبحانه أن يكون مجمَعاً عليه من كافة أعلام هذه التجمعات والحركات والأحزاب. فإنه لا يحق البتّة لأى فرد كان أو أي تجمع أو حركة أو حزب أن يكون برنامجه مناهضاً لتلك الهوية بأن يدعو إلى ما يناهض دين الأمة أو يهين مقدساتها أو يطعن في ثوابتها أو أن يدعو إلى إصلاحية غربية متفرنجة منسلخة عن هويتنا – مع ترحيبنا بالإنجازات العلمية الحضارية – ولا غير ذلك من دعوات تحمل شعارات الإصلاح ظاهراً وجراثيم الخراب والتعفن باطنا. ليس من حقّ أي حزب أو تجمع أو حركة أن ينتهز فرصة هذه الموجة من الإنفراج النسبي في التعبير والتحرك فيعمل على مزج هوية هذا الشعب بما هو غريب متغرب أو لا ديني ملحد أو جاهلي منتن "كما وسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه عن الدعوة إلى العصبية الجاهلة ، قال عليه الصلاة السلام: دعوها فإنها منتنة". لا يصح أن يعبث أحد بمقدرات هذه الأمة التي عاشت قرونا في ظل الإسلام حضارة وعلماً وعادات وتقاليد فأصبح لها كالدم في العروق أو الروح في الجسد. كما أنه لا يحق لأحد، وإن كان ممن يحمل شعاراً إسلامياً ويندرج تحت لواء حزب إسلامي، أن يسعى لتحقيق نجاح سياسي أو كسب برلماني على حساب مقررات ثابتة في دين الأمة ووعيها. الحذر الحذر من هذه المطبّات السياسية فإن نتيجتها مريرة، ولن يقدر أحد على أن يخدع الله سبحانه. وإني لأدعو كل من دفعه حب وطننا وأهلنا أن يخلص التوجّه لله سبحانه وأن يجعل نصب عينيه الصراط المستقيم الذي يجب علينا إتباعه، كما قال تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" إن أراد أن يكون برنامجه السياسي مقبولا عند الله والناس، وأن يترك السبل التي لا رصيد لها عند الله والناس فإن هذا كمن يسحب من بنك لا رصيد له فيه، فسينفق وقتا وجهدا ومالا ثم يكون عليه حسرات، والشعب المصري يعرف ما يريد ويتربص لمن يحاول أن يسلبه هويته التي هي أعز ما يملك، وقد بدأ بالفعل في التكشير عن أنيابه لا رضاً وارتياحاً! وإنما غضبة نبيلة من أجل تصحيح المسار .