غطي الإعلام الأمريكي المسموع والمقروء هذا الأسبوع العديد من القضايا الهامة منها الداخلي مثل تطورات قضية الهجرة، وقضية التنصت على المكالمات الهاتفية للمواطنين الأمريكيين، إضافة إلى اختيار الجنرال مايكل هايدن ليرأس وكالة الاستخبارات الأمريكية. القضايا الخارجية شغلت حيزا كبيرا وكان على رأس القضايا رفض البرلمان النيجيري السماح بفترة رئاسية ثالثة للرئيس النيجيري، وقضية ملف إيران النووي، والتطورات السلبية لعملية الديمقراطية والإصلاح السياسي في مصر. إلا أننا سسنركز في هذا العدد على استئناف العلاقات الليبية الأمريكية بعد عدة عقود من العداء المتبادل بين الدولتين، وأبراز التليفزيونات وكبريات الصحف الأمريكية اليوم الثلاثاء لتطبيع العلاقات الأمريكية الليبية. شبكة سي إن إن CNN ذكر ولف بليتزر Wolf Blitzer أن استئناف العلاقات بين الولاياتالمتحدة وليبيا، وشطب اسم ليبيا من قائمة الدول الداعمة للإرهاب الدولي، قد يكون بمثابة علامة مشجعة لدول أخرى ما زالت في القائمة الأمريكية مثل سوريا وإيران. واستضاف ولف بليتزر في برنامجه اليومي Situation Room وزير الدفاع السابق في عهد الرئيس بل كلينتون وليام كوهين، وسئل الوزير السابق عن عودة العلاقات مع ليبيا والآثار المباشرة لهذه الخطوة الأمريكية. وقال كوهين "إن هذه الخطوة كانت تتويجا لسياسة أمريكية تم تبنيها منذ 1999 عندما كنت وزيرا للدفاع وبمقتضاها يتم السماح للدول الموجودة على قائمة الدول الداعمة للإرهاب أن توقف سلوكياتها وأن تنظم للجماعة الدولية إذا ما نجحت في تغيير سلوكها ونبذ الإرهاب، وتخلصت بصورة يمكن التأكد منها من أسلحة الدمار الشامل". وذكر كوهين أن ليبيا تخلصت من برامجها الساعية لتطوير صواريخ طويلة المدى أيضا. وعند سؤاله إذا ما كان هذا النموذج سيتبع من قبل كوريا الشمالية أو إيران، قال الوزير الأمريكي "إن تبني هذا النموذج سيكون أكثر صعوبة مع كوريا الشمالية عنه مع إيران بسبب عدم وجود صلات لكوريا الشمالية مع العالم الخارجي مثل تلك الموجودة عند إيران". وحسبما يرى الوزير الأمريكي يمكن للعديد من الدول أن تستمر في سلوكها الشاذ والمنبوذ دوليا، لكن عليها أن تدفع ثمن ذلك بعزل نفسها من الجماعة الدولية. مجلة نيوزوويك Newsweek على صفحات العدد الأخير من مجلة نيوزوويك عرض الصحفي الأمريكي الشهير مايكل هيرش Michael Hirsh تحليلا مفصلا لتداعيات شطب ليبيا من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، ويرى هيرش أن الرئيس جورج بوش يحلو له أن يقول إن الرئيس الليبي معمر القذافي قد فزع بنتائج الغزو الأمريكي للعراق، وإن تخلى القذافي عن دعم الإرهاب وعن السعي للحصول على أسلحة دمار شامل والمساعدة في الحرب العالمية ضد منظمة القاعدة، وهو بذلك يوفر نموذجا يمكن الاحتذاء به من قبل الدول الأخرى. إلا أن هيرش يري لأن تغير سلوك الرئيس الليبي معمر القذافي قد جاء فقط بعد أن أكدت له بريطانيا والولاياتالمتحدة عدم وجود رغبة في تغيير النظام الليبي، واقتصار الأمر على تخلص ليبيا من برامج أسلحة الدمار الشامل لديها. ويبرر هذا كما ذكر هيرش عدم وجود ليبيا ضمن دول محور الشر Axis of Evil التي حددها الرئيس الأمريكي بوش بإيران والعراق وكوريا الشمالية فقط. وسخر مايكل هيرش من النموذج الليبي وقال إن ليبيا لا تمثل أي شيء يمكن أن يتفق مع الدعوة الأمريكية للديمقراطية والإصلاح في المنطقة العربية. وقال أن أبن القذافي "سيف الإسلام" سيخلف والده في حكم ليبيا. صحيفة واشنطن تايمز Washington Times ذكرت الصحيفة في أحد افتتاحيتها أن إعلان الولاياتالمتحدة استئناف العلاقات الدبلوماسية مع ليبيا خطوة جيدة، وقالت إنه رغم شناعة ما اقترفته طرابلس في السابق من أعمال فإن قرار واشنطن الذي جاء كخطوة أخيرة على طريق تطبيع العلاقات بين البلدين كان صائبا. وقالت إن إعادة العلاقات الدبلوماسية تعد شرطا لفرض مزيد من الإصلاحات في ليبيا التي مازالت تعد أكثر الدول قمعا في العالم. وأشارت إلى أن وقف ليبيا لبرنامج أسلحة الدمار الشامل ينبغي أن ينظر إليه كأحد أهم الإنجازات التي حققتها الإدارة الأمريكية لمنع انتشار الأسلحة النووية، مضيفة أنه نجاح يسجل لسياسات الإدارة في الشرق الأوسط. غير أن الصحيفة قالت إن هذا التطور في العلاقات لا ينبغي أن ينظر إليه كإشارة إلى حسن النوايا أو الصداقة، بل يتعين المضي قدما في مراقبة تصرفات ليبيا والتدقيق فيها والتشكيك في كل خطوة تقدم عليها. وخلصت إلى أن الرسالة التي تضمنتها تلك الخطوة لإيران وكوريا الشمالية تنطوي على ضرورة التخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل. صحيفة النيويورك تايمز New York Time قالت أحد افتتاحيات الصحيفة إن إعلان الولاياتالمتحدة عزمها على إقامة علاقات طبيعية مع ليبيا خطوة هامة، وقالت إن ثمة شيئا في ذلك الخبر يخلق لدى الكثير من الأمريكيين شعورا بالاستياء، إذ أن ليبيا اقترنت على مدى ثلاثة عقود بالإرهاب والتطرف والمناهضة للولايات المتحدة. ومضت الصحيفة تقول إن ليبيا استخدمت ثروتها الهائلة من النفط لتمويل أوهام رئيسها معمر القذافي بقيادة الثورة العالمية عبر رعايته للانقلابات والغزوات ومحاولات الاغتيال فضلا عن الأعمال الإرهابية المريعة عبر العالم، مستشهدة بحادثة لوكربي. واعتبرت الصحيفة أن الفكرة القائلة بإمكانية مسح تلك الأعمال من الذاكرة عبر إعادة العلاقات الدبلوماسية، غير صحيحة. صحيفة واشنطن بوست Washington Post نقلت الصحيفة عن مراقبين عرب وليبيين في المنفى قولهم إن تطبيع العلاقات بين ليبيا وأمريكا زواج مصلحة طبيعي بين الإدارة الأمريكية المتعطشة للأصدقاء ونفط الشرق الأوسط وبين حكومة في حاجة ماسة لفتح أبوب اقتصادها أمام العالم الخارجي. واعتبر الإعلان عن إقامة علاقات طبيعية بمثابة تعزيز لفكرة أن الديمقراطية لا تندرج على قائمة أولويات إدارة بوش التي تكابد من أجل الإبقاء على تماسك العراق، وتحاول حشد الحلفاء ضد إيران بسبب برنامجها النووي. ونقلت الصحيفة أن توقيت الإعلان يمكن تفسيره بحاجة الولاياتالمتحدة إلى القيام بخطوة إيجابية في الشرق الأوسط، مضبيفا أنه بات واضحا أن هناك ثمة تراجع عن الديمقراطية، وأنه في هذه الأجواء الحالية تصطف واشنطن مع الأنظمة التي لا تتحلى بالديمقراطية. ولم يشكل هذا الإعلان الأمريكي مفاجأة للمحللين الذين قالوا إن الأمر كان محتوما منذ تخلي الرئيس الليبي معمر القذافي عن برامج أسحلته النووية قبل ثلاث سنوات. المصدر : تقرير واشنطن