كثير من العامة غير المثقفة والشباب يعتقدون فى استحالة تعرض مصر لمجاعة، متضامنًا معهم الرئيس مرسى، الذى وصف فى خطابه مدعى إفلاس مصر بأنهم المفلسون، وأن مصر بلد لا يعرف الجوع؛ ومن ثم فإنه يستبعد بشدة وقوع ثورات للجياع. فمازال فى أذهانهم جميعًا أن مصر هى سلة الغلال فى المنطقة العربية، وقد نسوا أزمة الخبز وطوابير العيش التى ترصدها أعيننا كل صباح، وصدقوا كلام الخواجة عندما قال إن مصر بها من الموارد ما يكفى لإطعام ربع أوروبا. وتناسوا أزمة المياه التى نعيشها منذ سنوات، ولم ينته التفاوض بشأنها حتى الآن؛ والتى أفضت إلى مشكلة التصحر التى باتت تجتاح بشدة الأراضي المصرية، خاصة وأن الحرب القادمة – حسب توقعات السياسيين- هى حرب على المياه، فعندما صدقوا كلام الخواجة ذكرونى بالماجوسي الذى خدع عمر بن الخطاب حينما قال له حكمت فعدلت فأمنت فنمت ياعمر، وَصَّدَقه عمر؛ فقتلَّه ماجوسي. فالاعتقاد بعدم وقوع المجاعة هو نوع من التسكين أو ضرب من الدعابة أو العبث السياسى غير الممنطق والمضلل لخطوات الثورة والشعب نحو مستقبله المنشود.. فتعرض مصر لمجاعة كارثية هو أمر متوقع بلا ريب؛ فقد جاعت مصر وهى دولة رائدة لحضارات العالم، فلا يخفى علينا ثورة جياع الفراعين ضد الملك بيبى الثانى الذى حكم البلاد لأكثر من تسعين عامًا، أكل فيها المصريون لحوم موتاهم، وعرفوا المقابر الجماعية ومورست الحانوتية لأول مرة فى التاريخ، وعانى المصريون من آثار هذه الثورة أكثر من مائة وثمانين عامًا.. ولم ينس التاريخ ما شهدته مصر إبان الحكم الإسلامي من مجاعات وثورات تجاوز عددها أربعة عشر ثورة حتى وصل بالناس أن أكلوا بعضهم أحياءً وأكلوا القطط والكلاب فى عهد المستنصر بالله الفاطمي وهو ما عُرف فى التاريخ بالشدة المستنصرية، التى وصل رغيف العيش فيها ألف دينار. ودائمًا كانت إطالة فترة الحكم وتكريس فكرة التوريث سببًا كافيًا لظهور المجاعات، فكلما طالت فترة الحكم قويت شوكة الحاشية؛ ومن هنا يستشرى الفساد وتأتى المجاعات ويحدث الفوران الثوري. فغالبًا ما يحدث الفساد وتتطاير النعم وتحل بالشعوب الفتن والنقم عندما يولى فى المناصب من هم ليس أهل لها. ولعل مبارك وحاشيته من أحمد عز وصفوت الشريف وغيرهم أمثلة دامغة على ذلك، فقد انتهى حكم مبارك بمقدمات كافية لوقوع ثورة للجياع. فقد وصل بالمعدمين فى عصر مبارك أن أوصوا ببيع جثثهم فور موتهم حماية لأبنائهم من الجوع، حيث صارت الجثث إرثًا لأبناء المعدمين، فكثير ما سمعنا عن أناس أوصوا ببيع قرانياتهم أو أعضاءً من أجساهم.. فضلاً عن انتشار بيع وسرقة الأعضاء، والدافع وراء هذه الجرائم وفى كل الأحوال كان الجوع؛ الأمر الذى جعلنا نتكهن بثورة للجياع فى عهد مبارك، ومازلنا فى طور التوقع إذا استمر ذلك الهرج السياسى الذى يعمل بشدة على إطالة فترة الغليان الثوري. ففى ظل موجات الغلاء للسلع الغذائية الأساسية والأدوية التى شهدت أكثر 250 صنفًا ارتفاعًا ملحوظًا فى أسعارها، بالإضافة إلى التراجع والهبوط الشديد فى سعر الجنيه المصري أمام الدولار والاعتماد بشكل أساسي على مؤشرات الاقتصاد الافتراضي "البورصة" فى تقييم الحالة الاقتصادية لمصر وطمأنة المواطنين، رغم الانخفاض الشديد فى معدلات النمو الاقتصادي، الذى لم تشهده مصر منذ أكثر من 10 سنوات مضت، فإن وقوع ثورة للجياع ليس محض تهديد من المعارضة والمتآمرين كما يزعم الرئيس، بل هى احتمال قائم ما ظلت تلك المسببات الدافعة إليها قائمة. [email protected]