تنسب الدولة الطولونية فى مصر إلى أحمد بن طولون، وهو من أصل تركى، حيث كان والده من بلاد تركستان -الواقعة ضمن الأراضى الروسية الآن- وكلمة "طولون" تعنى بالتركية "البدر الكامل"، وكان طولون -والد أحمد- رئيسًا لحرس الخليفة العباسى محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد الذى حكم من عام 833 حتى عام 842 م. وقد ولد أحمد بن طولون فى بغداد عام 835م، ثم انتقل مع والده بعد ذلك بعام إلى المقر الجديد للخلافة العباسية فى "سامراء" التى أنشأها الخليفة المعتصم وجعلها عاصمة لملكه. وتعلم أحمد بن طولون فى مدارس سامراء العلوم الإسلامية والعسكرية، ونال حظًا وفيرًا من العلم، ورحل والده عن الدنيا عام 854م. كان بنو العباس قد اعتادوا على إقطاع مصر للقادة الأتراك محل ثقتهم، وكان من عادة القائد التركى الذى تكون مصر من نصيبه أن يبقى فى عاصمة الخلافة ويرسل نائبًا عنه لإدارة شئون مصر. وفى عام 868م أنعم الخليفة العباسى الثالث عشر "المعتز بالله بن المتوكل على الله" على أحد قادته الأتراك بإقطاعه مصر، وكان هذا القائد المسمى "باكباك" من أفضل القواد الترك فى ذاك الحين، وكان متزوجًا فى نفس الوقت من والدة أحمد بن طولون منذ وفاة والده، وبالتالى وقع اختيار باكباك على أحمد بن طولون ليكون نائبًا عنه فى إدارة حكم مصر، وحدث أن غضب الخليفة على "باكباك" فأمر بضرب عنقه، وآلت إقطاعية مصر إلى القائد التركى "يارجوخ" وكان والد زوجة أحمد بن طولون.. وهكذا خدمت الأحداث أحمد بن طولون، وكانت فى صالحه على طول الخط، وساعده يارجوخ على إطلاق يده فى مصر، ولما توفى يارجوخ عام 873م، بسط أحمد بن طولون نفوذه على مصر، وأعلن نفسه أميرًا عليها، وكان قد مضى فيها حتى ذاك الحين خمس سنوات منذ قدومه إليها نائبًا عن القائد التركى باكباك عام 868م. وفى عام 878 توفى "أماجور" والى الشام، فانتهز أحمد بن طولون الفرصة وسار على رأس جيش إلى الشام، ونجح فى إخضاع دمشق له، ثم خضعت له حماة، وحمص، وحلب. تمكن أحمد بن طولون من تأسيس أول دولة إسلامية مستقلة فى مصر، ويعد هذا هو أول استقلال لمصر منذ دخول الرومان لها عام 31 قبل الميلاد، وهو أول من أعاد الشام تحت الراية المصرية منذ عهد الفراعنة. ولما توفى أحمد بن طولون عام 884م، خلفه ابنه "خماروية" الذى حقق انتصارات عظيمة كتلك التى حققها والده، وخماروية هو والد الأميرة الشهيرة "قطر الندى" التى تزوجها الخليفة العباسى المعتضد بالله، وكتب المؤرخون عن حفل عرسها -الذى دام عدة أيام- وكأنه نسيج من الأساطير لما استحدث فيه من أفراح وتجهيزات وأغانى ما زالت متداولة فى الفولكلور الشعبى المصرى حتى الآن. وقتل خماروية فى دمشق عام 895 بعد حكم دام أكثر من 11 سنة، وكان موته هو بداية النهاية للدولة الطولونية، إذ تولى ابنه "أبو العساكر" مقاليد الحكم، لكنه قتل بعد شهور من توليه الحكم، دبت الفتنة فى الجيش الطولونى، ثم تولى "هارون" شقيقه ابن خماروية- مقاليد الحكم، وفقدت مصر فى عهده ممتلكاتها فى الخارج، ثم دخل هارون فى حرب ضروس مع القرامطة فى الشام، فانتهز الخليفة العباسى الفرصة ليتخلص من الفريقين، فأرسل جيشًا قوى العدة والعدد أوقع بالقرامطة هزيمة شديدة عام 903م قرب حماة، ثم عاد نفس الجيش بقيادة محمد بن سليمان لإخضاع مصر ثانية للخلافة العباسية، وتمكن الأسطول البحرى العباسى من هزيمة الأسطول الطولونى فى دمياط، وعسكر هارون بن خماروية بجيشه فى الصحراء الشرقية، لكنه قتل نتيجة خيانة نفر من رجاله عام 904م، وخلفه شقيقه شيبان الذى استسلم لجيش محمد بن سليمان الذى دخل الفسطاط يوم الخميس آخر صفر سنة 292ه، الموافق 10 يناير عام 905م، معلنًا انتهاء الدولة الطولونية التى لم تستمر أكثر من 38 سنة، وعادت مصر من جديد لمظلة الخلافة العباسية.