المشهد المصرى العام عشوائى وغير محدد التوجهات والأهداف بعد الثورة المصرية، فالجميع يحلم بالمستقبل قبل أن يفكر هل يستطيع تحقيق أهدافه وطموحاته، وهل نحن مستعدون لذلك، وهل لدينا الإمكانيات والقدرة على ذلك، لأن صناعة المستقبل لا تعتمد على الأحلام والأمنيات فقط، بل تحتاج لمجتمع قوى متماسك يعيش الحرية المسئولة فى كل المجالات، وأهمها المشهد السياسى الذى هو صانع المستقبل الحقيقى عبر نظام حاكم قوى ومعارضة قوية، وكلاهما يتسابق ويتنافس من أجل العمل على تطور المجتمع والتوصل لحلول جديدة قوية من أجل البناء والتنمية والازدهار المنتظر بعد سنوات طويلة من استنزاف ثروات البلاد من خلال عمليات النهب المنظمة لخيرات وثروات مصر والإهدار المتعمد لكل موارد الدولة المصرية، ولكن السؤال الأهم الذى يطرح نفسه بعد عامين من الثورة المصرية: هل لدينا معارضة فى مصر؟ وهل ما يوجد من حركات وأحزاب وشخصيات سياسية ينطبق عليهم لقب معارضى النظام؟ وهل هم فعلا معارضون؟ والأهم هو ماذا قدمت هذه المعارضة لمصر؟ ولماذا لم تنجح حتى الآن فى إقناع الشعب بصحة أفكارها والفوز بحرب الصناديق التى تقودها الحكومة وأحزاب التيار الإسلامى الحاكم فى مصر الآن؟ من وجهة نظرى، أن مصر لا توجد بها معارضة حقيقية، فطبقا للعلوم السياسية ونظرياتها المختلفة المعارضة هى مجموعات سياسية تمتلك الرؤى والأفكار والعمل السياسى المنظم عبر كوادرها وتمتلك برامج إصلاح تصارع لتقديمها من خلال المؤسسات الحكومية والبرلمانات المنتخبة، ولكن فى مصر الشكل مختلف، المعارضة عبارة عن أحزاب لا يعرف عنها أحد إلا من خلال بيانات وتصريحات ومجموعة من المناسبات الرسمية وبعض الحركات السياسية التى ظهرت بعد الثورة والتى تعمل بدون شرعية قانونية فهى ليست حزبًا أو جمعية أهلية، هى مجرد كيان يعمل عبر تصريحات أعضائه ووقفاتهم الاحتجاجية والمؤتمرات الصحفية، والمثلث الثالث فى هرم المعارضة المصرية مجموعة قليلة من الأشخاص المشهورين إعلاميا عبر مواقف معارضة للنظام والحكم دون طرح سياسات وأفكار بديلة تظهر ضعف الحكم وتهز ثقة الشارع به، ولكن السؤال الأهم: هل هذه الأحزاب والحركات قادرة على أن تكون صوت المعارضة المصرية؟ ولماذا لم تنجح فى الانتخابات وأى عملية انتخابية؟ تعانى المعارضة المصرية من أمراض مزمنة أنهكتها وجعلتها غير قادرة على العمل وأهمها الانقسام والتشرذم وعدم الاتفاق على شىء، فهم لم يستطيعوا حتى الآن عمل شىء سياسى موحد ضد النظام، وكل ما يفعلونه تصريحات وبيانات لا قيمة لها، فهى كالصراخ داخل الغرف المغلقة، وكذلك عدم نزولهم للشارع للعمل وسط المواطنين وتأهيل كوادر جديدة وإقناع المواطنين بأفكارهم وتوجهاتهم السياسية، فالشارع هو الميزان الحقيقى لقوة أى تيار سياسى، وهناك أزمة أخرى هى أن المعارضة سجنت نفسها داخل وسائل الإعلام، فهم ضيوف دائمون فى كل الفضائيات، وهو ما لا يعيبهم، ولكن الأهم هل تصل أفكارهم للشارع والناس؟ أم ماذا؟ وأيضا إحساس عدد كبير أن المعارضة الحالية فى مصر معارضة كرتونية عبر أحزاب وحركات بعضها لا وزن له فى الشارع ولا يمتلك قواعد شعبية تؤهله للحديث نيابة عن الشعب ولا يحصلون على أى نتائج فى الانتخابات بكل أنواعها، والبقية من الأحزاب الكبيرة منقسمة على نفسها تعانى الأنانية السياسية، فهى لا ترى إلا نفسها، وتتقن فن الصفقات السياسية، وتترك الشارع بكل قوة للتيار الإسلامى الذى يتمكن من الشارع لرهانه أن حكمه مرتبط بالصناديق التى هى تعاطف البشر معهم. المشهد السياسى المصرى يفتقد إلى الشخصيات السياسية المعارضة الحقيقية التى تقنع الشارع بها، فكلهم ممن لم يحالفهم الحظ بكرسى الرئاسة، ومعركتهم الآن ليست من أجل مصر، فجميعهم بلا استثناء لم يستطع أن يقنع الشارع أنه يعارض من أجل مستقبل مصر الحقيقى، فلم نجد لهم صوتا فى حلول للأزمات الاقتصادية ولم نراهم يقودون مليونيات للعمل والإنتاج، فكل الحرب من أجل الانتخابات الرئاسية وإعادتها وهذا ما يفقدهم تعاطف الشارع معهم وأنهم مجرد طلاب سلطة، والأهم من ذلك هو فقدانهم للمشروع القومى من أجل مصر، وبالتالى فهم يحصرون أنفسهم بين الفضائيات والتصريحات ولا يعملون على تنشئة جيل معارضة حقيقى يعمل من أجل مصر. المعارضة المصرية الحالية مثلها مثل كل شىء فى مصر، تم تفريغه من مضمونه نتيجة لسياسات نظام مبارك، وأغلبهم منع من العمل فى الشارع وسط الشعب لأسباب جميعنا يعلمها من حصار أمنى وتضييق على الحريات وتلفيق قضايا وغيرها، وبالتالى لا نحمل المعارضة الحالية ضعفها وفشلها فى معارضة النظام الحالى، لأنها ضحية العصر السابق واستطاع رجال مبارك التسلل لعدد كبير من أحزابها والأهم هو قلة تمويل المعارضة الحالية وعدم توحدها عبر قواعد تنتشر فى الشارع، ومن المؤسف أن النظام الحالى يمارس معهم سياسات أكثر شدة وحصار من النظام السابق، فحاليا يحاربون بسياسات النفس الطويل وعمليات التشويه والتخوين والعمالة وغيرها من الاتهامات التى تكفى لرسم صورة سلبية عنهم لدى قطاعات من المجتمع لا تزال لا تعلم أن معارضة النظام الحقيقية هى من أجل مستقبل أفضل للجميع. أؤمن أن ما يسمى بالمعارضة الحالية فى مصر هى مجرد ديكور سياسى لإكمال الصورة والمشهد، ولكنهم لن يفعلوا شيئًا حقيقيًا لهذا الوطن، وأن الأمل الحقيقى هو بناء معارضة حقيقية عبر شباب مصر المخلصين والتعلم من كل أخطاء الماضى والبعد عن الأنانية السياسية والصفقات وسياسة العصا والجزرة التى يتبعها النظام مع معارضيه الآن، وأن سلاح المعارضة الحقيقية هو الشارع فهو الرهان الحقيقى على قوتها وقدرتها على قيادة مصر وأن شباب مصر قادرون ومؤهلون على إنشاء تيار معارضة حقيقى يعمل من الشارع ويقدم الخطط والحلول الحقيقية لأمراض الدولة المصرية ويظهر عجز وفشل النظام فى تحقيق طموحات المصريين. [email protected]